للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وميسرة وقلبا، وانبثوا في الأرض، وكانوا عددا عظيمًا، واستخفوا طرف الميمنة، وكان في طرفها مخيم الملك العادل، فلما بصر الناس بهم خرجوا من خيامهم كالأسود من أجسامها، وركب السلطان صلاح الدين -رحمه الله- ونادى مناديه: يآل الإسلام، وركبت الجيوش وطلبت الأطلاب، وكان السلطان أول راكب. وقال قاضي القضاة بهاء الدين: ولقد رأيته وقد ركب من خيمته وحوله نفر يسير من خواصه، والناس لم يستتم ركبوهم، وهو كالفاقدة ولدها الشاكلة، ثم ضرب الكوس، فأجابته كوسات الأمراء من أماكنها، وركب الناس.

وأما الفرنج -لعنهم الله- فإنهم سارعوا في القصد إلى الميمنة، حتى وصلوا قبل استتمام العساكر حتى وصلوا إلى مخيم الملك العادل، ودخلوا في وطاقه (١)، وامتدت أيديهم في السوق [٨٩] وأطراف الخيم بالنهب والغارة، وقيل وصلوا إلى الخيمة الخاص وأخذوا من شرابخاناته (٢) شيئا.

وأما الملك العادل فإنه لما علم بذلك، ركب وخرج من خيمته، واستركب من يليه من الميمنة، كالطواشي قايماز النجمي، ومن يجرى مجراه من أسود الإسلام، ووقف وقوف مخادع حتى يوغل بهم طمعهم في [المخيم] (٣)، واشتغلوا بالنهب في الأقمشة والفواكه والمطاعم، فعند ذلك صاح العادل بالناس، وحمل بنفسه يقدمه ولده الكبير شمس الدين، وحمل بحملته، وهجموا على العدو هجمة الأسود على فرائسها، وأمكنهم الله منهم، ووقعت الكسرة، فعادوا يشتدون نحو خيامهم، هاربين على أعقابهم، [وسيف الله] (٤) يلتقط الأرواح من الأشباح، ويفصل بين الأجساد والرؤوس، ويفرق بين الأبدان والنفوس. ولما بصر السلطان بذلك، نادي في الناس: يآل الإسلام وأبطال الموحدين، هذا عدو الله قد أمكن الله منه، وقد داخلهم الطمع حتى غشوا خيامكم، فكان من المبادرين إلى إجابته جماعة من مماليكه وخاصته، ثم طُلب عسكر الموصل يقدمهم علاء الدين ولد عز الدين، ثم عسكر مصر يقدمهم سنقر الحلبي،


(١) الوطاق: لفظ معرب، وأصله بالتركية أوتاق أو أطاق أو أوتاع، ومعناها الخيمة أو مجموعة الخيام، أو العسكر أو الفرقة. انظر: Dozy: Supp. Dict. Ar.
(٢) الشرابخاناه: بيت الشراب، ويحوي مختلف أنواع الأشربة -ومنها الأدوية- التي يحتاج إليها السلطان، فضلًا عن الأواني النفيسة المصنوعة من الصيني الفاخر. القلقشندي: صبح الأعشى، ج ٤، ص ١٠.
(٣) "الخيم" كذا في الأصل، والمثبت من النوادر السلطانية، ص ١٢٩.
(٤) "سيف الإسلام" كذا في الأصل. والمثبت من النوادر السلطانية، ص ١٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>