تلك الليلة على كبس بقيتهم في الخيم، وكتب إلى البلد -أعني عكا- يعرّفهم بذلك حتى يخرجوا هم من جانب، وعسكر السلطان من جانب، فلم يصل من أهل البلد كتاب، فرجع عن ذلك العزم بسبب تأخير الكتاب.
ولما كان صباح الخميس رابع عشر شهر شوال، وصل من أخبر أن العدو في الحركة للرحيل، فركب السلطان وطلّب الأطلاب، وكفّ الناس عن القتال خشية أن يغتالوا، وأوقف الأطلاب في الجانب الشرقي من النهر يسيرون قبالة العدو. وكان ممن جرح من مُقَدّميهم في هذه السرية الكُنْدُهْرِي، والمركيس، وتخلّف ابنُ ملكِ الألمان في الخيم مع جمع كثير منهم، ولما دخل العدو إلى خيمهم كان لهم بها أطلاب مستريحة، فخرجت على اليزك الإسلامي وحملت عليهم، وانتشب القتال بين اليزك وبينهم، وجرى فيه قتال عظيم قتل فيه من العدو وجُرح خلق عظيم، وقتل من المسلمين ثلاثة نفر، وقتل منهم شخص كبير فيهم مقدّم عندهم، وكان على حصان عظيم ملبس بالزرد إلى حافره، وكان عليه لُبْس لم يُر مثله، وطلبوه من السلطان بعد انفصال الحرب فدفع إليهم جثته، وطلب رأسه فلم يُوجد. وعاد السلطان إلى مخيّمة، وأعيد الثقل إلى مكانه، وعاد كل قوم إلى منزلتهم.
ولما كان [٩٩] يوم الجمعة الثاني والعشرين من شوال من هذه السنة، رأى السلطان أن يضع للعدو كمينا، فأخرج جمعا من كماة العسكر وشجعانهم وأبطالهم، وأمرهم أن يسيروا في الليل ويكمنوا في سفح تل شمالي عكا بعيدًا من عسكر العدو، وأمرهم أن يظهر منهم نفر يسير، ويقصدونهم في خيمهم حتى إذا خرجوا انهزموا بين يديهم نحو الكمين، ففعلوا ذلك، وساروا حتى أتوا التل المذكور ليلا، فكمنوا تحته، ولما علا نهار السبت الثالث والعشرين من شوال، خرج منهم نفر يسير على خيل جياد، وساروا حتى أتوا مخيّم العدو ورموهم بالنشاب، فانتحى منهم مقدار مائتي فارس، وخرجوا إليهم شاكين في السلاح على خيل جياد، بعُدّة تامة وليس معهم راجل واحد، وداخلهم الطمع فيهم لقلتهم فانهزموا بين أيديهم، وهم يقاتلونهم حتى أتوا موضع الكمين، فخرج عليهم أبطال الموحدين، وصاحوا فيهم صيحة رجل واحد، وهجموا عليهم هجوم الأُسْد على فريستها، فثبتوا وصبروا وقاتلوا قتالا شديدا، ثم ولوا منهزمين، فمكّن الله