للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال القاضي بهاء الدين: كنت يوماً عند مجلس الحُكم بالقدس الشريف، إذ دخل رجل حَسن الهيئة ومعه مكتوب حكمي وقال لي: يا أيها القاضي خصمي السلطان، وهذا بساط الشرع، فقال له القاضي: بأي سبب؟ قال: إن سُنقر الخلاطي مملوكي ولم يزل على ملكي إلى أن مات، وكان في يده أموال عظيمة، كلها لي، فاستولى عليها السلطان، وأخرج المكتوب فتصفحتُه، فوجدته يتضمن جلية سنقر الخلاطي، وأنه اشتراه من فلان التاجر في الوقت الفلاني ولم يزل في ملكه إلى أن نّد (١) عنه في سنة كذا، قلت له: فما أخرك إلى هذا الوقت؟ فقال: الحقوق لا تبطل بالتأخير. قال القاضي: فأعلمت السلطان، فأحضره واستوى معه في المجلس حتى ساواه، وادعي الرجل وأظهر كتابه، فقال السلطان (رحمه الله): إن لي من يشهد أن هذا سنقر في هذا التاريخ كان ملكي بمصر، وإني اشتريته مع ثمانية أنفس، ولم يزل في ملكي حتى أعتقته، ثم أحضر السلطان جماعة من أعيان الأمراء فشهدوا بذلك، فأنكر الرجل، فقلت للسلطان: يا مولانا ما فعل هذا إلا يطلب صدقة السلطان، فما يحسن أن يرجع خائب الأمل. فقال: هذا باب آخر، وأمر له [بخلعة (٢)] ونفقة جيدة (٣) وبغلة (٤).

قال: وكان الحجاب يزدحمون على طراحته، فجاء سنقر الخلاطي ومعه قصص، فقدم له قصة، وكان السلطان قد مد يده اليمنى على الأرض ليستريح، فلاسها سنقر الخلاطي ولم يعلم وقال له: علِّم عليها، فلم يجبه، فكرر عليه القول، فقال له: يا طواشي أعلم بيدي أو برجلي، فنظر سنقر فرأى يد السلطان تحت رجله فخجل، وتعجب الحاضرون من هذا الحلم، ثم قال السلطان: هات القصة فعلَّم عليها. ومازال السلطان على هذه الأخلاق حتى توفاه الله - عز وجل - إلى مقر رحمته ورضوانه (٥).

وقدم إليه يوماً مملوك له قصة فقال: أنا الساعة ضجر، فأخرها ساعةً، فلم يؤخرها وقدمها إلى وجهه، فلما قرأ اسم صاحبها قال: أي والله رجل مستحق. قال: فوقع له. قال: ماثم دواة. ثم نظر فإذا الدواة [١٦٦] بعيدة عنه، فامتد على يده اليسرى حتى أخذ


(١) ندَ: بمعنى نفر وذهب على وجهه شاردًا. انظر: محيط المحيط مادة "ندد"، جـ ٢، ص ٢٠٥٥.
(٢) "بخلع" كذا في الأصل والمثبت من النوادر، ص ١٦؛ مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٢٧٥.
(٣) نقل العيني هذا النص بتصرف من النوادر، ص ١٦.
(٤) بغلة: نقلها العينى عن مرآة الزمان؛ جـ ٨، ص ٢٧٥؛ أما في النوادر فقد ورد النص هكذا "وتقدم له بخلعة ونفقة بالغة". انظر: النوادر، ص ١٦.
(٥) نقل العينى هذا الحدت بتصرف من مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٢٧٥، ص ٢٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>