للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العدوة يستحثه ويستدعيه إلى قتاله، في كلام طويل فيه تأديب وتهديد ووعيد (١). وذكر بيبرس أنه كتاب نسخته (٢) "باسمك اللهم فاطر السموات والأرض، أما بعد: أيها الأمير فإنه لا يخفى على كل ذي عقل ولبّ وذكاء ثاقب أنك أمير الملّة الحنيفية كما أنا أمير الملة النصرانية، وأنه لا يخفى عليك [ما هو عليه] (٣) رؤساء الأندلس وما هم عليه من التخاذل والتواكل وإهمال الرعية، وطلب الراحة، وأنا أسومهم الخسف وأخلى الديار وأسبى الذراري وأمثل بالكهول وأقتل الشباب، ولا عذر لك في التخلف عن نصرتهم وقد أمكنتك يد القدرة، وإنكم تعتقدون أن الله تعالي فرض عليكم قتال العشرة منا بواحد منكم، والآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا (٤)، وقد فرض عليكم اثنين منا بواحد منكم ونحن الآن نقاتل عدد منكم بواحد منا ولا تقدرون دفاعًا ولا تستطيعون امتناعًا، ثم حُكي لي عنك أنك أخذت في الاحتفال ثم تمطل نفسك عامًا بعد عام، تقدّم رجلًا وتؤخر أخرى، ثم حكي لي عنك أنك لا تجد سبيلًا للحرب لعلك ما يسوغ لك التقحم فيها، وأنا أقول لك ما فيه مصلحتك وأعتذر عنك ولك، أن توفيني العهود والمواثيق والأيمان أن تتوجه بجملة من عندك في المراكب وأجوز إليك بجملتي، وأبارزك في أعز الأماكن عندك فإن كانت لك فغنيمة عظيمة جاءت إليك وهدية مثلت بين يديك، وإن كانت لي فتكون يدى العليا عليك واستحققت إمارة الملتين والتقدم على الفئتين، والله يسهل الإرادة ويوفق السعادة" (٥).

فلما وصل كتابه وقرأه يعقوب كتب إليه في أعلاه هذه الآية: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} (٦). وأعاده إليه وجمع عساكره من المسلمين وسار بهم حتى قطع الزقاق (٧) إلى الأندلس، حتى التقوا


(١) انظر: البداية والنهاية، جـ ١٣، ص ١٠.
(٢) ذكر ابن خلكان أن هذه الرسالة من إنشاء ابن الفخار وزير الأذفونش. انظر: وفيات الأعيان، جـ ٢٧، ص ٦.
(٣) ما بين حاصرتين إضافة من الكامل لتوضيح المعنى، جـ ٩، ص ٢٣٢.
(٤) {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا}. سورة الأنفال، آية: ٦٦.
(٥) انظر تفاصيل ذلك في أمين توفيق الطيبي، دراسات وبحوث في تاريخ المغرب والأندلس، ص ١٥٦ - ص ١٧١.
(٦) سورة النمل، آية: ٣٧.
(٧) الرقاق: مجاز البحر بين طنجة بالمغرب على البحر المتصل بالإسكندرية والجزيرة الخضراء في الأندلس وبينهما اثنا عشر ميلًا. معجم البلدان، جـ ٢، ص ٩٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>