للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها أنه كانت فتنة عظيمة فى عسكر غياث الدين ملك الغورية وهو بفيروزكوه (١)، وسببها أن الإمام فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازى المعروف بابن الخطيب، الإمام المشهور، كان قد قدم إلى غياث الدين، فبالغ غياث الدين فى إكرامه واحترامه، وبنى له مدرسة بهراة بالقرب من الجامع، فعظم ذلك على الكرامية (٢)، وهم كثيرون بهراة، ومذهبهم التجسيم والتشبيه. وكانت الغورية كلهم كرامية، فكرهوا الإمام فخر الدين لأنه شافعى، فاتفق أن فقهاء الكرامية، وفقهاء الحنفية، وفقهاء الشافعية، حضروا بفيروزكوه عند غياث الدين للمناظرة، وحضر فخر الدين الرازى، والقاضى عبد المجيد بن عمر المعروف بابن القدوة وهو من الكرامية الهيصمية (٣)، وله عندهم محل كبير لتزهده وعلمه. فتكلم الرازى فاعترض عليه ابن القدوة وطال الكلام، فقام غياث الدين واستطال فخر الدين الرازى على ابن القدوة وشتمه، وبالغ فى أذاه، وابن القدوة لا يزيد على أن يقول: لا يفعل مولانا، لا وأخذك الله. (٤) فغضب على فخر الدين الملك ضياء الدين، وهو ابن عم غياث الدين، وزوج ابنته، وشكى إلى غياث الدين، وذم فخر الدين الرازى، ونسبه إلى الزندقة ومذهب الفلاسفة، فلم يصغ إليه غياث الدين. فلما كان من الغد وعظ الناس ابن عمر القدوة بالجامع، وقال: بعد حمد الله، والصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول، أيها الناس إنا لا نقول إلا ما صح عندنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأما علم أرسطو وكفريات ابن سينا، وفلسفة الفارابى فلا نعلمها، فلأى حال يشتم بالأمس شيخ من شيوخ الإسلام يذب عن دين الله، وسنة نبيه عَلَيْهِ السَّلام، وبكى، وبكى الكرامية فاستغاثوا، وثار الناس فى كل جانب، وامتلأ البلد فتنة. فبلغ السلطان غياث الدين، فأرسل جماعة سَكَّنوا الفتنة، ووعدهم إخراج فخر الدين الرازى من عندهم. وتقدم إليه بالعود إلى هراة (٥). وأمر الملك بإخراج فخر الدين الرازى من البلد.


(١) فيروزكوه: هي قلعة حصينة فى جبال غورشستان بين هراة وغزنة وهى دار مملكة من يتملك تلك النواحى. وهى بلد شهاب الدين بن سام الذى ملك غزنة وخراسان وبلاد الهند، وأخوه غياث الدين أكبر منه. معجم البلدان، جـ ٣، ص ٩٣٠.
(٢) الكرامية: نسبة إلى ابن كرام. البداية والنهاية، جـ ١٣، ص ١٩.
(٣) الهيصمية: نسبة إلى ابن الهيصم. البداية والنهاية، جـ ١٣، ص ١٩.
(٤) كذا فى الأصل وابن الأثير: الكامل، جـ ١٢، ص ٧١. أما نص العبارة فى المختصر، جـ ٣، ص ٩٦ فهو "لا يفعل مولانا إلا وأخذ الله".
(٥) نقل العينى هذا الخبر من أبى الفدا: المختصر، جـ ٣، ص ٩٦ - ٩٦ على الرغم من أنه لم يذكر ذلك. والنص موجود باختلاف بسيط فى الكامل، جـ ١٢، ص ٧٠ - ٧١؛ البداية والنهاية، جـ ١٣، ص ١٩ - ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>