للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما طلب منه أحد شيئاً فمنعه حتى كان يخرج وفى رجلة مداس فيرجع حافياً، ويخرج وعليه ثوبان فيرجع عرياناً، وكانت له خلوات ومحاضرات، وسمع الحديث من شهده (١) وغيرها. وتوفى في ذى الحجة ودفن في الشونيزية عند والده أبى الفضائل.

البلخى الواعظ، واسمه محمد بن عبد الله، ويلقب بالنظام وبابن الظريف. ولد ببلخ سنة ست وعشرين وخمسمائة، وقدم بغداد فوعظ بها في النظامية وباب بدر وجامع القصر ومدرسة أبى النجيب ودار ابن حديدة الوزير، وكان فصيحاً مليح الصوت، وكان متشيعاً، وأنشد يوما في النظامية:

سقاهم الليل كاسات الثُّرى فغدت (٢) … منه سَكَارى كأن الليل خمارُ

وصيّر (٣) الشوق أطواقاً عمائمهم … لا يعقلون أقام الحى أم ساروا

ونسمة الفجر إن (٤) مرت بهم سحرا … تمايلوا وبدا للسُكر آثار (٥)

فلم يبق في المجلس إلا من قام، وصاح وتواجد، وأنشد أيضاً:

مددت يدى في الحب نحوك سائلا … وقلت لجفنى أدر دمعك (٦) سائلا

تفقهت في علم الصبابة والهوى … فمن شاء فليلق علىَّ المسائلا

وحكى أنه نقل إلى الخليفة عنه أنه يعاشر النساء ويرتكب المحرمات، فأرسل إليه الوزير وهو على المنبر فقال: قد رسم أن تخرج من البلد فأنشد:

أبابك لا واديك بالجود مُفعم … لدى ولا ناديك بالرفد آهل

لئن ضقت عنى والبلاد فسيحةً … وحسبك عاراً أننى عنك راحلُ

وإن كنت بالسحر الحرام مُدَلّه … فعندى من السحر الحلال دلائل

فواف بغير الأعين النُجل حُسنها .. فأى مكان خيمت فهو بابلُ


(١) شهدة بنت أحمد بن الفرج بن عمر الإبرى، انظر ما سبق، جـ ١، ص ٢٨١.
(٢) "فغدوا" في مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٣٠٦.
(٣) "وسيروا" في مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٣٠٦.
(٤) "الشوق إذ" في مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٣٠٦.
(٥) "أوتار" في مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٣٠٦.
(٦) "الدمع" في مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٣٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>