للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها أنه هرب أبو جعفر محمد بن حديدة الوزير الأنصاري من دار الوزارة - دار ابن المهدي - وكان محبوسًا بدرب المطبخ عند ابن مهدي ليعذبه، فحلق ابن حديدة رأسه ولحيته وخرج فلم يظهر خبره إلا من مراغة بعد مدة وعاد إلى بغداد.

ومنها أن ناصر الدين صاحب ماردين توجه إلى خلاط بمكاتبة أهلها، فجاء الملك الأشرف ونزل على دنيسر (١) وأقطع بلاد ماردين، فعاد ناصر الدين إلى بلده بعد أن غرم مائة ألف دينار ولم يسلموا إليه خلاط.

ومنها أن في شعبان هدمت القنطرة الرومانية التي كانت عند الباب الشرقي ونشرت حجارتها ليبلط بها الجامع الأموي بسفارة الوزير صفي الدين بن شكر وزير الملك العادل، فكمل تبليطه (٢) في سنة أربع وستمائة. وفي أول شوال غيروا من قبة الجامع عدة أضلاع من شماليها، وفي يوم الجمعة سابع ذي القعدة وجد التقى الأعمى مشنوقًا بالمئذنة الغربية. قال أبو شامة (٣): هذا التقى اسمه عيسى بن يوسف بن أحمد الغرافي ولد بالغراف من أرض العراق، وكان ضريرًا عفيفًا فقيهًا، مفتيًا شافعيًّا مدرسًا بالمدرسة الأمينية (٤) خارج باب الجامع القبلي، وكان يسكن [٢٩٠] في أحد بيوت منارة الجامع الغربية، وكان ابتلى بأخذ مال له من بيته واتهم به شخصًا كان يقرأ عليه ويطلع معه إلى البيت يقضى حاجته، ويقوده من المدرسة إلى البيت، ومن البيت إلى المدرسة، فأنكر الشخص المتهم ذلك وتعصب له أقوام عند والي المدينة، فوقع الناس في عرضه من اتهامه من ليس من أهل التهم، ومن كونه جمع ذلك المال وهو وحيد غريب، ونسبوه إلى أنه غير صادق فيما ادعاه. فزاد عليه الهم من ضياع ماله والوقوع في عرضه، ففعل بنفسه ما فعل. قال: وبلغني أن جماعة من المتفقهة امتنعوا من الصلاة عليه وقالوا: قتل نفسه، فتقدم شيخنا فخر الدين أبو منصور (٥) عبد الرحمن بن عساكر فصلى عليه، فاقتدى الناس به.


(١) دنيسر: انظر ما سبق، ج ١، ص ٢٣٠.
(٢) أبو شامة، الذيل على الروضتين، ص ٥٤.
(٣) انظر الذيل على الروضتين، ص ٥٤ - ص ٥٥.
(٤) المدرسة الأمينية: هي أول مدرسة بنيت بدمشق للشافعية، بناها أتابك العساكر بدمشق، أمين الدولة كمشتكين والي صرخد وبصرى. انظر: الدارس، ج ١، ص ١٧٧ - ١٧٨.
(٥) هو فخر الدين أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين الدمشقي، المعروف بابن عساكر، الفقيه الشافعي، وهو ابن أخي الحافظ أبي القاسم علي بن عساكر صاحب "تاريخ دمشق". توفي سنة ٦٢٠ هـ. بدمشق. انظر: وفيات الأعيان، ج ٣، ص ١٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>