للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما خلا بابنه قال "له" (١): أما لك عقل تذكر مثل هذا بحضرة هؤلاء، ويقول ابن عمك مثل هذا الكلام وتقره عليه، فلا يبقى عند نور الدين وجه أهم عنده من قصدك وقتالك، ولكن ابعث إليه وترفق له وتواضع له، وقل له أي حاجة إلى مجيء مولانا، ابعث إلىَّ بنجاب أجيء معه (٢) إلى بين يديك، فإنك إذا فعلت هذا تمادي الوقت بما تحصل به الكفاية من الله تعالى. ففعل صلاح الدين ذلك، وكان كما قال نجم الدين أيوب: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} (٣).

وقال العماد: وكان صلاح الدين واعده نور الدين أن [يجتمعا] (٤) على الكرك والشوبك يتشاوران فيما يعود بالصلاح المشترك، فخرج من القاهرة في الثاني والعشرين من المحرم، فلقي في تلك السفرة شدة، وعدم خيلا وظهرًا وعُدّة، وعاد إلى القاهرة في النصف من ربيع الأول.

وفي تاريخ بيبرس: تجهز صلاح الدين من مصر إلى الكرك، وكان قد قرر مع نور الدين أن يخرج من دمشق، ويجتمعا على غزو الإفرنج، فسبق صلاح الدين، وخرج نور الدين من دمشق، فأوجس صلاح الدين خيفة منه أن يعزله عن مصر ويوليها غيره، فرجع عائدًا وقد بقى بينه وبين الكرك مسافة قريبة، وأرسل إلى نور الدين رسولًا، وأصحبه هدايا كثيرة وتحفًا جليلة، وكتب إليه؛ يعتذر بأن والده ضعيف. وكان الرسول إليه الفقيه عيسى الهكاري، فلاطف نور الدين، وخاطبه بالحسنى حتى قال نور الدين: حفظ مصر عندنا أهم من غيرها، وفطن لما قصده برجعته، وعز ذلك عليه في باطنه.

وقال ابن الأثير (٥): لما نصح نجم الدين ولده صلاح الدين، وأشار عليه بأن يرسل رسولًا إلى نور الدين ويستعطفه، فأرسل إليه بذلك، عدل نور الدين عن قصده، وكان من جملة ما قال نجم الدين لولده صلاح الدين: الأيام تندرج، والله كل وقت في شأن. وكان الأمر كما قال؛ توفي نور الدين. ولم يقصد صلاح الدين، ولا أزاله، وكان هذا الرأى من نجم الدين من أحسن الآراء وأجودها.


(١) ما بين الأقواس ساقط من نسخة "ب".
(٢) ورد هذا النص بتصرف في الكامل، جـ ١٠، ص ٣٥ - ٣٦؛ الروضتين، جـ ١ ق ٢، ص ٥١٨ - ٥٢٠؛ مفرج الكروب، جـ ١، ص ٢٢١ - ٢٢٣.
(٣) سورة الأحزاب: آية (٣٨).
(٤) "يجتمعوا" في نسختى المخطوطة أ، ب. والمثبت من الروضتين، جـ ١ ق ٢، ص ٥١٨ حيث يتسق مع السياق واللغة.
(٥) نقل العينى هذا النص بتصرف من الباهر، ص ١٥٨ - ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>