في هذا المعنى فأجابه إلى ذلك، وأطمعه أن يُعْطَى هذه البلاد إذا مَلَّكها لولده الذي هو زوج [٣١٩] ابنة نور الدين، ويكون مقامه في خدمته بالموصل.
واستقرت الحال على ذلك وتحالفا عليها، فبادر العادل إلى المسير إلى الفرات في عساكره وقصد الخابور فأخذه، فلما سمع نور الدين بوصوله خاف واستشعر، فأحضر من يرجع إلى قولهم ورأيهم وعرفهم وصول العادل، واستشارهم فيما يفعله. فبينوا له فساد رأيه في اتفاقه مع العادل على ابن عمه وما يترتب على ذلك من الضرر له، وقالوا: أما الآن فقد فات الأمر، وليس إلا أن تقف معه على ما استقر بينكما، لئلا يجعل حجة ويبتدئ بك.
هذا والعادل قد ملك الخابور ونصيبين، وسار إلى سنجار فحصرها، وكان عزم صاحبها أن يسلمها إلى العادل بعوض يأخذه عنها، فمنعه من ذلك أمير كان معه اسمه أحمد بن برنقش - مملوك أبيه زنكي - فقام بحفظ المدينة والذب عنها.
وجهز نور الدين عسكرًا مع ولده الملك القاهر ليسيروا إلى العادل، فبينما الأمر كذلك إذ جاءهم أمر لم يكن في حسابهم، وهو أن مظفر الدين كوكبوري صاحب إربل أرسل وزيره إلى نور الدين يبذل من نفسه المساعدة على منع العادل عن سنجار، والاتفاق معه على ما يريده. فوصل الرسول ليلًا فوقف مقابل دار نور الدين وصاح، فَعُبِّرت إليه سفينة عَبَرَ فيها، واجتمع بنور الدين ليلًا وأبلغه الرسالة. فأجاب نور الدين إلى ما طلب من الموافقة وحلف له على ذلك، وعاد الوزير من ليلته. فسار مظفر الدين واجتمع هو ونور الدين ونزلا بعساكرهما بظاهر الموصل، وكان سبب ما فعله مظفر الدين أن صاحب سنجار أرسل ولده إلى مظفر الدين يستشفع به إلى العادل ليبقى عليه سنجار، وكان مظفر الدين يظن أنه لو شفع في نصف ملك العادل لَشَفَّعه، لأثره الجميل في خدمته وقيامه في الذب عن ملكه غير مرة، فشفع إليه فلم يشفعه العادل ظنًا منه أنه بعد اتفاقه مع نور الدين لا يبالي بمظفر الدين. فلما رده في شفاعته راسل نور الدين في الموافقة عليه. ولما وصل إلى الموصل واجتمع بنور الدين أرسل إلى الظاهر غازي صاحب حلب وإلى كيخسرو بن قليج أرسلان صاحب بلاد الروم بالاتفاق معهما، فكلاهما أجاب إلى ذلك، وتداعوا على الحركة وقصد بلاد العادل إن امتنع من الصلح، والإبقاء على صاحب سنجار. وأرسلا أيضًا إلى الخليفة الناصر لدين الله ليرسل رسولًا إلى العادل في الصلح، فقويت نفس صاحب سنجار على الامتناع.