للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بيبرس لما تقرر الصلح بينه وبين عماد الدين زنكي كان متمرضا ولم يلبث أن مات على فراشه، فرتب بدر الدين لؤلؤ أخاه ناصر الدين محمود وله من العمر ثلاث سنين، ولم يكن للملك القاهر ولد غيره، وحلّف له الجند فركّبه وطابت نفوس الناس لأن نور الدين كان لا يقدر على الركوب لكثرة أمراضه فلما ركب أخوه علموا أن لهم سلطانًا من البيت الأتابكي، فاستقروا واطمأنوا وسكنوا.

ولما ملك ناصر الدين المذكور تجدد لمظفر الدين صاحب إربل وعماد الدين زنكي طمع لصغر سن ناصر الدين، فجمعا الرجال وتجهزا للحركة وقصدوا أطراف بلاد الموصل بالنهب والفساد، وكان بدر الدين قد سير ولده الكبير في جمع كثير من العسكر إلى الملك الأشرف؛ نجدة له بسبب اجتماع الفرنج بمصر وهو يريد أن يدخل بلاد الفرنج التي بالشام، ينهبها ويخزنها ليعود بعض الفرنج الذين بدمياط إلى بلادهم فيخف الأمر على الملك الكامل. فلما تحرك مظفر الدين وعماد الدين على بدر الدين لؤلؤ أرسل يستنجد بعسكر الأشرف الذين بنصيبين ويستدعيهم ليعتضد بهم، وكان المقدم عليهم مملوكا للأشرف يسمى أيبك، فساروا إلى الموصل فلما رآهم بدر الدين استقلّهم لأنهم كانوا أقل من العسكر الذي أرسله إلى الشام أو مثلهم، وألحّ أيبك الأشرفي على عبور دجلة وقصد بلاد إربل، فمنعه بدر الدين لؤلؤ من ذلك، فنزل بظاهر الموصل شرقي دجلة، فلما سمع مظفر الدين ذلك جمع عسكره وسار إليهم ومعه عماد الدين زنكي، فعبر الزاب فسمع به بدر الدين فعبّى أصحابه وجعل أميرا كبيرا في الميمنة، فلما كان الليل أراد الانتقال إلى الميسرة فقال له بدر الدين لا يفعل لئلا ينهزم العسكر فإن العدو قريب منكم، فلم يقبل منه وسار إلى الميسرة لجهله بالحرب واضطر الناس لاتباعه فتقطعوا من الليل والظلمة والتقوا هم والخصم على ثلاثة فراسخ من الموصل. فأما أيبك الأشرفي فإنه لحق بالميمنة وحمل هو وأصحابه على ميمنة مظفر الدين فهزمها وبها زنكي، وتقدم إليه مظفر الدين فيمن معه من القلب فلم يمكنه الوقوف، فعاد إلى الموصل وعبر دجلة ونزل البلد، فلما رآه الناس فرحوا به، ونزل مظفر الدين فيمن سلم معه من عسكره وراء تل حصن نينوى فأقام ثلاثة أيام، فلما رأى اجتماع العسكر البدرى بالموصل وأنهم لم يفقد منهم إلا اليسير، وبلغه الخبر أن بدر الدين يريد العبور إليه ليلا بالفارس والراجل على الجسور وفي السفن ويكبسه، فرحل ليلا من غير أن يضرب كوسًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>