للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدرسة العزيزية (١) وطلب حسابها، فأغلظ له في القول، فأمر بضربه فضرب بين يديه كما يفعل الولاة، فوجد المعظم سبيلًا إلى إظهار ما كان في نفسه، وكان الجمال المصري وكيل بيت المال عدوًا للقاضي، فجاء فجلس عند القاضي في مجلس الحكم، والشهود حاضرون والناس، فبعث المعظم ببقجة فيها قباء وكلوتة، وأمره أن يحكم بين الناس وهما عليه، وقام من خوفه فلبسهما وحكم بين اثنين. قال أبو شامه (٢): جابى المدرسة المضروب هو السديد خطيب عقربا (٣)، واسمه سالم بن عبد الرزاق بن يحيى ابن عمر بن كامل أخو الجمال والمؤيد العقرباني، وكانت الخلعة إشارة إلى أنك تفعل فعل والى الشرطة فالبس لبس من يفعل ذلك، قال: ومن لطف الله تعالى أن كان مجلس الحكم بداره، وإلا والعياذ بالله لو كان في مكان آخر لتكلف المرور في الطرقات بذلك الزي الشنيع في حق مثله إلى بيته. ثم أن القاضي لزم بيته بعدها، ولم تَطل مدة حياته، فمرض مرضه رَمَى كبده فيها قطعًا، ومات في صفر سنة سبع عشرة وستمائة على ما نذكره إن شاء الله تعالى.

وقال السبط (٤): وكانت حركة شنيعة وواقعة قبيحة لم يجر في الإسلام أقبح منها، وكانت من غلطات المعظم. ولقد قلت له: ما فعلت إلا بصاحب الشرع، ولقد وجبت عليك دية القاضي. فقال: هو الذي أحوجني إلى هذا، ولقد ندمت (٥).

واتفق أن المعظم بعث إلى الشرف (٦) بن عنين الشاعر حين تزهد خمرًا ونردًا وقال: سبح بهذا، إشارة إلى أن زهده ليس له صحة، فكتب إليه ابن عنين:

ياأيها الملك المعظم سنة … أحدثتها تبقى على الآباد

تجرى الملوك على طريقك بعدها … خلع القضاة وتحفة الزهاد (٧)


(١) المدرسة العزيزية: جوار المدرسة المعظمية بالصالحية، أنشأها الملك العزيز عثمان بن الملك العادل أخو الملك المعظم، توفي سنة ٦٣٠ هـ. انظر: الدارس، ج ١، ص ٥٤٩ - ص ٥٥٠.
(٢) الذيل على الروضتين، ص ١١٧ - ص ١١٨.
(٣) عقربا: كذا في الأصل، وفي ياقوت "عَفْربلا": وهي بلدة بغور الأردن، قرب بيسان وطبرية. معجم البلدان، ج ٣، ص ٦٨٨.
(٤) مرآة الزمان، ج ٨، ص ٣٩٨.
(٥) إلى هنا توقفه العيني من النقل عن سبط ابن الجوزي.
(٦) الشرف بن عنين: هو أبو المحاسن محمد بن نصر بن الحسين بن عنين الأنصاري الملقب شرف الدين الكوفي الأصل الدمشقي المولد الشاعر المشهور، ولد بدمشق تاسع شعبان سنة تسع وأربعين وخمسمائة. وتوفي في شهر ربيع الأول منة ثلاثين وستمائة بدمشق، وفيات الأعيان، ج ٥، ص ١٤ - ١٩.
(٧) وردت هذه الأحداث في الذيل على الروضتين. ص ١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>