للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهرب صاحبها (١)، وكتب إلى صلاح الدين بذلك، ثم رجع شمس الدولة إلى أسوان ثم إلى قوص (٢). وكان في صحبته أمير يقال له إبراهيم الكردي، فطلب من شمس الدولة قلعة إبريم، فأقطعه إياها، وأنفذ معه جماعة من الأكراد البطالين (٣)، فلما حصلوا فيها، تفرقوا فرقا، وكانوا يشنون الغارة على بلاد النوبة حتى برَّحوا بهم، واكتسبوا أموالا عظيمة، وكثرت مواشيهم، واتفق أنهم عدوا إلى جزيرة من بلاد النوبة، تعرف بجزيرة دندان، فغرق أميرهم إبراهيم وجماعة من أصحابه، ورجع من بقي منهم إلى قلعة إبريم، وأخذوا جميع ما كان فيها، وأخلوها بعد مقامهم بها سنتين، فعاد النوبة إليها وملكوها. وأنفذ ملك النوبة رسولا إلى شمس الدولة، وهو مقيم بقوص، ومعه كتاب فيه طلب الصلح، ومع الرسول هدية عبد وجارية، فكتب له (٤) جواب كتابه، وأعطاه زوجي نشاب (٥)، وقال مالك عندي جواب إلا هذا، وجهز معه رسولا يعرف بمسعود الحلبي، وأوصاه أن يكشف له خبر البلاد ليدخلها، فسار الحلبي مع الرسول حتى وصل دنقلة، وهي مدينة الملك.

قال مسعود: فوجدت بلادًا ضيقة، ليس لهم زرع إلا الذرة، وعندهم نخل صغار، منه إدامهم، ووصف ملكهم بأوصاف منها أن قال: خرج علينا يومًا وهو عريان، قد ركب فرسًا عريًا، وقد التف في ثوب أطلس، وهو أقرع ليس على رأسه شعر. قال: فأتيت فسلمت عليه، فضحك، وأمر بي أن تكوي يدى، فكوى عليها هيئة صليب، وأمر لى بقدر خمسين رطلا من الدقيق، فصرفني (٦).


(١) انظر: الروضتين: ج ١ ق ٢، ص ٥٣٢.
(٢) قوص: من المدن القديمة بصعيد مصر من الجهة الشرقية من النيل، انظر: رمزي، القاموس الجغرافي، ق ٢ ج ٤، ص ١٨٧ - ١٨٩.
(٣) البطالون من الأجناد والأمراء هم العاطلون من إقطاعات الدولة ووظائفها لكبر السن أو لغضب السلطان أو لغير ذلك. انظر: السلوك، ج ١، ص ٧٣، حاشية ٤.
(٤) "له" في نسخة ب.
(٥) نشاب: هي النبل أو السهام وواحدته نشابة. والنَّشَّابة قوم يرمون بالنشاب. وقد ذكر الحسين بن عبد الله في آثار الأول وأخبار الدول، صفحة ١٦٠ أنواع النشاب وما يمتاز به كل نوع على الآخر. والنشاب صحيحة الاعتدال والاستداره. انظر: النوادر السلطانية، ص ٦٣، حاشية ١.
(٦) إلى هنا توقف العينى عن النقل من الروضتين ج ١ ق ٢، ص ٥٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>