عن جسده، وانقلب السلطان على قفاه من قوة الضحك، وتضاحكت المماليك، وقام البيسرى وهو خجلان ينفض ثيابه، ولم يظهر فى وجهه تعبا حتى لا يفهم عنه أنه غضب من ذلك الأمر، فأشيع ذلك بين الأمراء، وبلغ الأمير بدر الدين بكتاش الفخرى، فصعب عليه ولم ينزل ذلك اليوم إلى الميدان حتى أرسل السلطان إليه، فلما اجتمع بالبيسرى أخذ يعنفه ويعتب عليه بما رضى لنفسه من ذلك الأمر، وقال له: جعلتنا فى آخر عمرنا مساخر والناس تضحك علينا.
فقال له يا أمير بدر الدين: والله كان الموت أهون على من ذلك، ولكن خشيت الرجوع إلى الحبس بعد عشر سنين التى قاسيت فيها الذل والقيد والخوف [٨١] والوحدة وأنت معذور، فلو قاسيت ما قاسيت لهان عليك كل شئ من هذا القبيل.
ولما انقضى أمر الميدان طلب السلطان البيسرى وطيب خاطره، وقال يا بدر الدين: أنت ما فعلت هذا إلا محبة لى وامتثالا لأمرى، فقدرك عندى كبير، وألبسه تشريفا أطلس كاملا، وأنعم عليه زيادة على إقطاعه منية بنى خصيب مائتى ألف درهم وخمسة آلاف إردب.
قال صاحب التاريخ: فلأجل ذلك كان والده الملك المنصور يفضل أخاه الملك الصالح عليه، وسلطنه قبله، لما كان فيه من العقل والسكون والأدب، وكان يرى من الأشرف نقيض ذلك.
وقد حكى القاضى فتح الدين بن عبد الظاهر أن الملك الصالح لما مات فى حياة والده المنصور أشارت الأمراء عليه أن يولى أخاه الخليل ويلقبه الأشرف،