للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاسوا من أهلها ما قاسوا مثله من التتار، وقتل من المسلمين خلق لا يعلم عددهم إلا الله تعالى.

وقال صاحب النزهة: وكان وصولنا إلى قلعة حمص والشمس فى الغروب، فوجدنا أهلها فوق الأسوار يبتهلون إلى الله عز وجل بالدعاء وكانوا ينادون:

يا مسلمون الرجعة الرجعة لا تسلمونا إلى العدو، يا مسلمون المروءة المروءة (١)، ولم يلتفت إليهم أحد، فتباكوا وبكت الناس وبكى السلطان الناصر، ثم قال للأمير حسام الدين: يا أبى أنت ما قلت إن المسلمين يقفون ويقاتلون نوبة ثانية فى حمص ومالى لا أنظر أحدا يقف ويقاتل. فقال: يا خوند ما يقاتلون إلا فى دمشق وقصدهم أن يستجروا العدو حتى يتعبوهم ويدخلوهم فى مواضع ليس لهم خبرة بها، وكل ذلك يريد به التعلل للسلطان لئلا يزداد خوفه.

قال الراوى: وما وصلنا إلى حمص إلا وأكثر الخيل قد وقفت ولم تتحرك خصوصا خيول الأمراء والمماليك الموقرة، ولما دخل الليل انقطع التتار من خلف عسكر المسلمين. قال: ثم وصلنا إلى بعلبك صبيحة الجمعة ونحن كلنا محتاجون إلى قوت أنفسنا ولخيولنا، فوجدناها قد أغلقت، وصعدت أهلها على الأسوار وكانوا يتناولون الفضة بالحبال، فمنهم من يعطى ما يطلبه صاحب الفضة ومنهم من يأخذ الفضة ويغيب من فوق السور ولا يراه أحد.

قال: ثم أصبحنا يوم السبت ودخلنا إلى دمشق وتلقتنا أهلها بالويل والثبور، وما أقمنا فيها غير ساعة واحدة ووقع الصياح بأن طوالع العدو قد لاحت، فخرجت الناس لا يلتفتون إلى شئ، وأكثرهم خرجوا بلا زاد، وأما أهل دمشق فمنهم


(١) «وصاحوا بالعسكر: «الله الله فى المسلمين» - السلوك ج‍ ١ ص ٨٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>