من طلع القلعة ومنهم من توجه نحو القدس والخليل عليه السلام (١)، ومنهم من طلب قلعة صفد وقلعة كرك، ومنهم من أقام وتوكل على الله، وصارت الناس كأنهم يساقون إلى المحشر يوم القيامة، فلا يلتفت الأخ إلى أخيه ولا الأب إلى ابنه ولا المملوك إلى سيده.
قال الراوى: وأما الفرقة التى كان سفرهم على الساحل فإنهم قاسوا شدة عظيمة من أهل جبل كسروان، فكانوا ينزلون إليهم ويمسكون عليهم المضايق، ويأخذون الجندى قبضا بالكف، ويأخذون ما معه، ويرسلونه عريانا إذا أحسنوا إليه، وربما يقتلونه أو يرسلون عليه حجرا من فوق فيهلك هو وفرسه، وكانوا قد استوقفوا [٢٠٠] جماعة كثيرة عن المسير، وقصدوا أن يأخذوا منهم ما يريدونه حتى يفتحوا لهم الطرق، فاتفق فى ذلك الوقت حضور طائفة من العسكر الذين هم صحبة الأمير بدر الدين أمير سلاح، وصحبته الأمير بلبان الطباخى نائب حلب وجماعة من الأمراء، فلما رأوا ذلك حملوا عليهم وأزاحوهم عن الطريق، فرجعوا، واجتمعوا جماعة كثيرة ووقفوا لمنع الأمراء أيضا، فلما رآهم الأمير بدر الدين مصمّمين على القتال رسم الذين معه أن يترجلوا وأن لا يتهاونوا فى أمرهم كيلا يدركهم التتار فيكونون بين العدوّين، فترجلوا وزحفوا عليهم وقتلوا منهم جماعة، فقام القتال بينهم من ضحوة النهار إلى الظهر، وجرحت من جماعة أمير سلاح خلق، فآخر الأمر كسروهم وفتحوا الطرق وذهبوا، وبعض الأمراء وراءهم ساقة لهم إلى أن وصلوا إلى غزّة، وأقام أمير سلاح فيها ينتظر المنقطعين من العسكر، والتحق به جماعة كبيرة من الناس والجند
(١) هكذا فى الأصل، والمقصود مدينة الخليل عليه السلام.