للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القدماء، فإنه أظهر حزما واجتهادا ويقظة واستعدادا ولم يسلم القلعة، بل صمم على امتناعه وأخذوه بأنواع من الترهيب والترغيب، فلم يرهب السطا ولا رغب فى العطا، ونصبت عليها المجانيق، فما هاله أمرها ولا فتح لها بابا حتى رحل قازان عن البلاد ولم ينل منها ما أراد، ولما اشتد الحصار وأحاطت بالقلعة جموع التتار خاف أن يستولوا عليها من الأماكن والمساكن التى عليها، فهدم جميع ما حولها من العمائر والبيوت وصيرها دكا، وهدم دار السعادة وكان هدمها من السعادة لئلا يتستر العدو فى المنازلة بجدرانها ويتسلطوا بنصب المجانيق خلف بنيانها، فتناوبوا على حصارها أياما متواترة، وليالى متكاثرة، ولم ينالوا منها مراما ولا رأوا من نائبها تسليما ولا سلاما، فصبروا إلى أن أدركهم لطف الله، فسلموا وصابروا وما سلموا.

وعلم (١) قازان أن أموال دمشق جميعها بالقلعة، وفيها خزانة السلطان الناصر، وأموال الأمراء وغيرهم، وأنه لا يتم له ملك ولا يملك قلعة من قلاع الشام حتى يملك قلعة دمشق، فإن أمر القلاع معدوق بأمرها، فطلب قفجق وبكتمر وغيرهما واستشارهم فى أمرها، فعرفوه أنها قلعة حصينة، وأن نائبها رجل شديد البأس وما يمكن أخذها إلا بعد قتال شديد وتلاقى العسكر.

وحضر فى ذلك الوقت نجيب الدين وزير قازان من غزنة، فأشار عليه أن يعمل المنجنيق ويتوصل به إلى هدم القلعة (٢)، فرسم له عند ذلك بالإنعام الكثير، فشرع فى عمل ذلك، وساعده جماعة من أهل دمشق على قطع الأخشاب


(١) بداية ما كتب على هامش الورقتين ٢٠٦، ٢٠٧.
(٢) «وجاء رجل منجنيقى فالتزم لغازان بأخذ القلعة، وقرر أن ينصب المجانيق عليها فى جامع دمشق» - نهاية الأرب ج‍ ٢٧ ص ٤١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>