واحد منهم جنيبا على يده، وساروا ذلك اليوم إلى أن دخل عليهم الليل فاستراحوا ساعة واحدة، وجاء فى ذلك الوقت بعض العرب وأخبرهم أن العدو يكونون فى نصف الليل نازلين على عرض بمن معهم من الكسب والأسرى، فركبوا وساروا الليل كله إلى أن انبثق الفجر، وجاء فى ذلك الوقت بعض العرب أيضا وأخبروا أن العدو قد نزلوا فى الليل وإنكم قربتم منهم، ثم أن الأمراء نزلوا واستراحوا، وتوضؤوا لصلاة الفرض، ثم بعدها صلاة الموت، وودّع بعضهم بعضا، ثم ساقوا على نفس واحد إلى أن طلع قرص الشمس، فتراءت مضارب العدو، وكانوا تحت تل من تلك الأرض، فساق الأمراء بمن معهم إلى أن ركبوا التلّ، ثم قال لهم سيف الدين بهادر آص: إعلموا يا أمراء أن هذه الوقعة هى وقعة الانفصال بيننا وبينهم، فإن كانت النصرة لنا فهى بشارة تستمر بنا، وإن كان غير ذلك فنعوذ بالله. وقال الأمير سيف الدين أسندمر:
كل زوجة لى طالق وكل جارية ومملوك لى حرّ إن ولّيت ظهرى حتى أبلغ قصدى، وإن مت فما يكون لى موتة أكرم منها، ثم شرع كل واحد منهم يقول بمثل هذه المقالة، وكانت العدو فى المقام، وكان يحرسهم أمير ومعه خمسمائة فارس، وأول من حمل بمن معه الأمير سيف الدين أسندمر، وصاح الله أكبر، فجاوبه العسكر بصوت واحد حتى الأسرى: الله أكبر، الله أكبر [٢٧٨]، وكانت الأسرى نحوا من ستة آلاف نفس.
وكانت هذه الساعة ساعة عظيمة، وقتل المسلمون منهم خلقا كثيرا، وأفنوا أكثرهم على السيف، وأسروا منهم نحو مائة وثمانين أسيرا، ومن وجد مجروحا قتلوه، ثم كتبوا بهذا الفتوح لنائب حلب ونائب حماة، ورفعوا بعد ذلك طالبين الأمراء.