للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحمل، فعند ذلك تراجعت العجم كأنهم أسود قد خرجت من الآجام. فلله درّ توكل فى ذلك اليوم، لقد قاتل قتالا شديدا، ما رأت الراؤون مثله، ولا سمعت السامعون نظيره، ولقد قاتل بستمائة فارس مع عشرين ألف فارس من أول النهار إلى آخره، ولما أمسى الليل تأخرت المغل وخرجوا من الدربند، ونزلت العجم مكانهم.

ثم افتقد توكل أصحابه، فوجد مائة نفس عدموا، وجرح أكثر البقية، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، أفغدا لا يبقى معى أحد، فأرسل تلك الليلة فارسا يعلم جوان شير إن لم تلحقنا لا يبقى منا أحد، فلما علم بذلك جوان شير أسرع فى السير حتى وصل إليهم فى آخر الليل، ولما رآهم على تلك الحالة ضاق صدره إلا أنه أضمر ذلك فى نفسه، فشرع يثبّت قلوبهم ويشجعهم.

ولما أشرق الصبح، ركب ورفع على رأسه السناجق، ودقت الطبول، ونفخ فى البوقات، وصاحت العجم، ورأى الترك ذلك فعلموا أن مددا جاء لهم، وكان قطلو شاه قد وصل إلى رأس الدربند، فلما رأى المغل على تلك الحالة استعجزهم فقال: إش هؤلاء العجم حتى طولتم هذا المقدار، فقالوا: يا نوين والله لقد قاسينا منهم أمس ما قاسينا يوم مرج الصفّر. فضحك قطلو شاه من ذلك ثم أمرهم بالحملة، ولما رأت العجم ذلك أعلنوا بالتكبير والتهليل، ثم حملوا وتصادموا فى وسط الدربند، وتقدم جوان شير، وعمل بالمغل حتى أيقنوا بالهلاك، وخيّل لهم أن قد نزل عليهم من السماء عذاب، ولكنهم يستطيلون لكثرتهم، وتخبلت العجم أيضا، فلما رأى جوان شير ذلك مزّق درعه، ورمى خوذته عن رأسه، وصرخ: يا لدين محمد! إلى أين تفرون يا بنى الأندال وتتركون

<<  <  ج: ص:  >  >>