للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الشجعان المشهورين، فلما رآهم عبد الرحمن صاح على من معه وقال: البلاد غافلة، مَنْ هؤلاء الكلاب؟ والآن يُهلكون الناس، ثم بعث خمسمائة فارس من عسكره إلى البيرة (١)، وأخذ خمسمائة أخرى معه وسار يطلب الرحَبَة، وتلاقى مع ابن عميرة، فحمل عليه عبد الرحمن وفرق شمل، ثم رماه بسهم فأصاب فخذه، فولّى هاربًا من بين يديه، ولما رآه عربه حملوا على عبد الرحمن وأشغلوه عن ابن عميرة إلى أن ركب حجرة (٢) دهماء كانت خلفه مع عبد من عبيده، ولما رأى عبد الرحمن ذلك ترك ابن عميرة واشتغل بعربه أطلق فيهم السهام فأقلب واحدًا، ثم آخر، ثم آخر، ثم آخر، وكان أرمى أهل زمانه.

وانكسرت العرب، فولوا هاربين طالبين النجاة وتبعتهم خيل المسلمين إلى آخر النهار، فأسروا منهم خلقًا كثيرًا، وأخذوا خيلًا كثيرة، وعادوا منصورين غانمين، وطلبوا البيرة، وساروا ليلًا ونهارًا إلى أن أشرف عبد الرحمن على [قلعتها] (٣)، وقد علموا بقدومه، فركب نائب البيرة، وكان يومئذ طوغان [المنصوري] (٤)، فتلقى عبد الرحمن بأحسن ملتقى، ونزل هناك، ثم قدَّم عبد الرحمن النائب البيرة أشياء مما غنمه من العرب.

ثم سار يطلب حلب، وقد سبقت أخباره إلى نائبها الأمير قرا سنقر، فتلقاه مع عسكره وشكره على فعله، ثم حكى له عبد الرحمن بجميع ما جرى في الوقعة، فقال له قرا سنقر: كيف فات عليك ابن عميرة بعد وقوع هذه الكسرة عليه؟ فقال له: يا مولاي، له في الحياة نصيب، والآن ما انقطع، ولكن أرجو من الله أن يجعل هلاكه على يديَّ، والله


(١) البيرة: بين حلب والثغور الرومية، معجم البلدان.
(٢) الحِجْز: الأنثى من الخيل، أما قول العامة للواحدة الحجرة بالهاء فهو لحن مسترذل، تاج العروس، مادة حِجْز.
(٣) فعلتها: في الأصل، والتصويب يتفق مع السياق.
(٤) المنصور: في الأصل وهو: طوغان المنصوري، من مماليك قلاوون، تنقل في الخدم إلى أن قرره في نيابة البيرة، ثم قبض عليه الناصر محمد في أواخر سنة ٧١٠ هـ/ ثم أفرج عنه وولاه شد الدواوين بدمشق، ثم قبض عليه وسجن بالكرك إلى أن مات سنة نيف وعشرين وسبعمائة، الدرر الكامنة ٢/ ٣٢٩ رقم ٢٩٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>