عبد الرحمن ومعه ناصر بن قرا سنقر وقشتمر وإبراهيم ابن أخت عبد الرحمن، وأوصوا لرفقتهم أن لا يتحركوا من موضعهم ولو سمعوا صياحًا إلى أن يصبح الصباح، ثم سار عبد الرحمن بهؤلاء إلى ناحية عين الذهب، وكانت عينًا تطلع وسط المشهد وتنزل في وسط البرية، وهي رأس البليخ وعليها أقصاب وأشجار، ثم قال عبد الرحمن لمن معه: لا بد أن يَجئ هاهنا أحد وحده لأخذ ماء أو حطب، فنأخذه، فأقاموا هناك إلى نصف الليل والتتار يجيئون عشرة عشرة وعشرين عشرين يملأون الماء ومضى عليهم الليل وانقطع الناس، وهَمَّ عبد الرحمن بالرواح قبل أن يُعلَم مَكانه، فإذا بإنسان جاء وحده ومعه قربة يريد الماء، فقال عبد الرحمن: هذا نأخذه، ولكن اجعلوا بالكم وقت مسكه، فليجعل واحد منكم يده على فمه حتى لا يصيح فيسمعه الناس فيجتمعون فلا نخلص بعد ذلك، فقال قشتمر: دعوني لأجل هذا ولو كان مَنْ كان، فتقدموا ومسكوه، فأراد أن يصرخ، فضرب قشتمر يده على فمه وحلقه وكاد أن تخرج روحه ورماه إلى الأرض، ثم ربطوا يديه وساقوه، ثم ساروا يطلبون رِفقَتهم، فأتوا إلى مكانهم، ثم ركبوا وساروا، وقد ستر الله عليهم وأعمى أبصار العدو عنهم إلى أن وصلوا إلى قرا سنقر.
وكان قرا سنقر قد ضاق صدره بسببهم حتى أنه كان ركب مع اليزك (١)، فلما رآه فرح به وقال: ما معكم من أخبار؟ فقدّموا إليه ذلك التتريَّ، فسأله قراسنقر عن حال عسكر سوتاي وعن عددهم وإلى أين طلبهم، وقد كان ناصر الدين بن قراسنقر قد قال له في الطريق: متى قلت إن التتار أكثر من ثلاثة آلاف فارس ضربت رقبتك، فلما رآه أنه يسأل قال: هم ثلاثة آلاف فارس ومع هذا هم ضعاف وخيولهم تَعَابى هَلكى، فلما سمع الأمراء بذلك زاد طمعهم واشتد قلبهم، ثم قال عبد الرحمن: رأيت رأيًا، قالوا: ما هو؟ فقال: آخذ خمسمائة فارس وأكمن بهم في هذه الدخلة، فإذا أشرف عليكم العسكر وتصاففتم وزحفوا عليكم انقلعوا من بين أيديهم، ثم انظروا العجب مني ومنهم. فقال له الأمير قرا سنقر: لا يكون لهم طريق غير هذا يذهبون منها، فقال عبد الرحمن: ما لهم