طريق غير هذا، فقال: أفعل بما تريد، فأخذ خمسمائة فارس من الصناديد وكمنوا في جانب البليخ.
وركب قرا سنقر ورتب أصحاب ميمنةً وميسرة، وما تَضَاحى النهار حتى طلع لهم غبار من ناحية حران، فإذا هو معسكر عظيم ومعهم نساء وأطفال يضجون ويصيحون، فلما رأوهم استكثروهم وداخلهم الرعب، فقال لهم قرا سنقر: لم يبق إلا القتال والثبات ونحن في مكان لا ملجأ فيه إلا إلى الله تعالى، ثم قال: يا معشر المسلمين، انظروا إلى نساء إخوانكم المسلمين وأولادهم كيف يُساقون وهم في الذلة؟ وهذه أبواب السماء قد فُتحت فبيعوا أنفسكم لله تعالى.
ولما رأى التتار المسلمين، قال سوتاي لثوكال بُغا: مَنْ هؤلاء قدامنا؟ قال: هذه عسكر المسلمين ولا نعرف من أين جاءوا فاستقلوهم واستحقروهم، ثم رتب سوتاي عسكره ميمنة وميسرة وقلبًا، ثم زحف على المسلمين، فكبر المسلمون وهللوا وصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم حملوا حملة صادقةً، ووقع بينهم قتال عظيم إلى أن ولّت المسلمون إلى ورائهم، ولما رأت التتار ذلك صرخوا من كل جانب وطلبوا المسلمين، وأبعد المسلمون أنفسهم، ولما علم عبد الرحمن بذلك خرج من خلفهم من الكمين هو وناصر الدين بن قرا سنقر وجمال الدين بن قرا على وسيف الدين كشكل وعلاء الدين الكبّشي، وعبد الرحمن ينادي إلى أين يا حزب النار؟ وهجم عليهم ناصر الدين بن قرا سنقر، وقاتلوا قتالًا لا يوصف، ولما رأت التتار ما حل بهم من المسلمين وَلُّوا وطَلَبوا النجاة، وطلبتهم المسلمون في ذلك البرّ، وكان برًّا واسعًا وليس فيه ملجأ، ولم يسلم منهم إلا مَنْ كان له عُمر في الأزل، وتبعهم المسلمون مسافة كبيرة، ثم عادوا واجتمعوا ومعهم من الأسرى خلق كثير، ونزلوا على البليخ، [وأقاموا](١) هناك يومين واستراحوا وأراحوا، ثم نادى قرا سنقر: إن مَنْ وجد شيئًا مع أسير من هؤلاء الأسرى فليأخذه، ثم فرق عليهم ما غنموا من التتار، ثم أمر بقتل الأسرى وحمل رؤوسهم، فكانت حمل جملين، وذلك