للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حرمة للسلطان يخاف منه، فكتب أهل [الشام] (١) إلى السلطان مرارًا عديدة يشكون حالهم، فلم يُزل أحدّ شكواهم، فمتى كان الناصر يقول لسلار وبيبرس أن ينظرا في هذا ويعملا بمصالح المسلمين، كانا يقولان مَنْ يقدر على رضى الناس؟ ولا يقدر على ذلك إلا الله، وكانا يراعيان الأفرم ويتركان جانب الله تعالى، وكان الناصر كلها يقول لهما اكتبا إلى الأفرم بأن يُقلّل ركوبه إلى الصيد وشرب الخمر وينظر في مصالح الرعية ويخلص أموال الجند وحقوق الناس، كانا يقولان نعم، فإذا خرجا من عنده لا يفكران ولا يذكران، فبقى السلطان يسمع كل وقت منهما ما يضيق به صدره.

فبينما هو كذلك فإذا قد حضر إليه سليمان (٢) بن مهنا أمير العرب ومعه تقادم جليلة وخيل، وكان الناصر مغرمًا بالخيل السبق، فاستعرض الخيل فما لقى شيئًا يرضيه ولا يعجبه، فقال: اش هذا الخيل؟ قال سليمان: يا مولاي نحن نجيب الخيل الملاح التي تعجب السلطان ولكن بيبرس وسلارا يأخذانها، فتقدم عثمان الركاب، وكان خصيصًا بالسلطان، ويكشف أخبار الخيل من العرب وغيرهم، وقال: يا مولانا السلطان، عند سليمان حصان أخضر [ما ملكه] (٣) كسرى ولا قيصر، فلما سمع به السلطان طار فؤاده وقال: يا سليمان هات هذا على كل حال، فقال: يا مولاي، هذا الحصان أنا اشتريته من أهل البحرين، ولكن إلى الآن ما وزنت ثمنه، فقال: بكم اشتريته؟ فقال: بعشرين ألف وخمسين بعيرًا وخمسين ثوبًا من ثياب بعلبك وخمسين شاشًا وخمسين وصيفة وخمسين منسفًا، فقال له السلطان: أحضر الحصان وأنا أعطيك ما تريد، فأرسل سليمان في الحال نجابًا إلى ابنه بأن يُسَير له الحصان، فلما وصل الحصان إلى مصر وأحضره سليمان إلى السلطان ورآه أعجبه وفرح به غاية الفرح، وأعطاه كل ما طلب وأطلق له قرية في بلد حلب مغلها كل سنة خمسون ألف درهم


(١) إضافة للتوضيح.
(٢) هو: سليمان بن مهنا بن عيسى بن مهنا، توفي سنة ٧٤٤ هـ/ ١٣٤٣ م، الدرر الكامنة ٢/ ٢٥٨ رقم ١٨٦٤، المنهل الصافي ٦/ ٥٥ رقم ١٠٩٩.
(٣) مالكه: في الأصل، والتصويب يتفق مع السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>