للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبقى السلطان في ذلك اليوم طول النهار في الاصطبل من فرحه بهذا الفرس، فسمع سلار وبيبرس بقضية الحصان، فامتلأ غيظًا على سليمان، وبقى الحصان عند السلطان ثلاثة أيام ومات، فحزن عليه السلطان حزنًا عظيمًا.

ولما سمع سلار وبيبرس بموت الحصان حضرا إلى السلطان، وقالا له: اش هذه الأعمال؟ فكل من سمّن فرسًا وأتى به إليك تصرف عليه جملة من بيت المال، ثم أمرا بأن يؤخذ جميع ما أعطاه لسليمان، فبلغ السلطان ذلك، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، إش لي أنا في الملك؟ إذا كنت أعطى شيئًا ثم يُسترد منه، والله ما أرضى بهذا لنفسي ولا غنى لي أن أعمل شيئًا يعجز عنه فحول الرجال ويتحدثون به من بعدي، ثم كتم ما به وأخفاه.

ثم بعد أيام قال لسلار وبيبرس: اعلموا إن البلاد ما تحفظ إلا بالجند، والجند ما تنصلح إلا بالمال، والمال لا يحصل إلا بالعدل، وقد بلغني أن جند الشام هلكى وأحوالهم فاسدة، وقد عولت أن أخرج إلى الشام ونُصَيّف فيه ونكشف أحوال البلاد، فقالا: حركة السلطان ما هي هينة، فإذا تحركت ارتجت البلاد [ويخلو] (١) بيت المال، فمالك أمر ضروري يحوجك إلى الخروج، فقال لهما السلطان: كل هذا شفقة على بيت المال، ولي عشر سنين أسمع تقولان: نجمع شيئًا في بيت المال لمصالح المسلمين، وهذا بيت المال فارغ، فقالا: لا يَسمع السلطان كلام مماليكه فينحل نظام ملكه.

ثم خرجا من عنده وتشاورا في ماذا يُصنع، وكذلك السلطان طلب الأمير بكتمر (٢) الجوكندار وقال له: قد عولت على أمر، فقال: ما هو؟ قال: غدًا إذا جاء سلار وبيبرس اقبضوا عليهما، فإن امتنعا اضرب رقابهما، ثم إنه طلب مماليكه كلهم ورتبهم بين


(١) ويخلي: في الأصل.
(٢) هو: بكتمر أمير جندار المنصوري، كان أولًا جوكندارا، ثم صار أمير جندار، قبض عليه في جمادي الأولى ٧١١ هـ وسجن بالإسكندرية، ثم نقل إلى الكرك، ويقال إنه قتل بها في سنة ٧١٦ هـ/ ١٣١٦ م، الدرر الكامنة ٢/ ١٨ رقم ١٣٠٧، المنهل الصافي ٣/ ٢٩٨ رقم ٦٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>