للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأبواب والدهاليز وأخفاهم في داره.

وفي تلك الليلة سير الأمير بكتمر الجوكندار إلى سلار وبيبرس يقول لهم: إذا جزتما غدًا إلى القصر مسككما السلطان، وقد رتب مماليكه بين الأبواب.

فلما سمعا بذلك طلبا أمراء مصر في الليل، وحَلَّفاهم بأن يكونوا معهما على ما يريدان ولا يخون بعضهم بعضًا، ثم قال لهم سلار: يا أمراء ما يعرف هذا السلطان أحد أكثر مني، فوالله، فأي وقت تمكن منكم ما يخلى منكم أحدًا لا كبيرًا ولا صغيرًا، فحلف كلهم أنهم مع سلار وبيبرس يدًا واحدة.

فلما أصبحوا لبس سلار الزردية (١) تحت ثيابه وكذلك بيبرس، وألبسا مماليكهما أيضًا الزرديات تحت الثياب، وجاءوا وقعدوا على باب القُلَّة (٢)، وجاءت الأمراء إلى الخدمة وبقى السلطان ينتظر أن يعبر إليه أحد، فما عبر إليه أحد إلى الظهر، فأرسل أرغون (٣) الدوادار وطلب الأمراء أن يعبروا عنده، فقال سلار: ما لنا عبور إليه ما دام هو على هذه الفعال الذي قد عول عليه، ولكن هذا جزاؤنا منه، خدمناه وحفظنا له الملك وهو يطلب هلاكنا، فعبر أرغون، وقال: قد بلغهم ما عولت عليه، وأنهم قد أخذوا حذرهم، فقال له السلطان: رُوح إليهم وقل لهم: إن الذي سمعتم هو كلام الأعداء، فلا تسمعوا ذلك، فاعبروا حتى نحرّر هذا الأمر ونبصر من قال هذا الحديث، فخرج أرغون إليهم وقال لهم ما قال السلطان، فقالوا: ما بقي يروج علينا هذا.

ثم إنهم قاموا ونزلوا من باب القُلَّة إلى سوق الخيْل، وأمر سلار بضرب كوساته (٤)، ونفخ بوقاته، فاجتمعت إليه الأمراء من كل ناحية، فعند ذلك أمر السلطان بغلق باب القلعة، ودارت الأمراء مع سلار وبيبرس حول القلعة.


(١) الزردية: نوع من الدروع يلبسها المقاتل للوقاية من السيوف والسهام، ينظر صبح الأعشى.
(٢) قلة القلعة: أي قمة القلعة، ينظر لسان العرب.
(٣) هو: أرغون الدوادار، اشتراه المنصور ورباه مع ولده الناصر محمد، وكانت وفاته بحلب سنة ٧٣١ هـ/ ١٣٣٠ م، الدرر الكامنة ١/ ٣٧٤ رقم ٨٧٣، المنهل الصافي ٢/ ٣٠٦ رقم ٣٦٧.
(٤) كوسة - كوسات: صنوج من نحاس تشبه الترس الصغير، يدق بأحدها على الآخر بإيقاع مخصوص، ويتولى ذلك الكوسي، ينظر صبح الأعشى ٤/ ٩، ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>