للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نازل على أذرعات، وفي تلك الحالة جاءت الأخبار بأنه رحل من أذرعات قاصدًا دمشق، فارتاع الأفرم وقال: ما تقولون يا أمراء؟ هذا قد وصل، ما يكون عملنا معه؟ فقال بعض الأمراء: اخرج إليه بعسكر دمشق، فقال الأفرم: والله، لو طلعت إليه أخذوني برقبتي وودوني إليه، قالوا سَيَّر إليه أيدغدى شقير (١) وسيف الدين جوبان (٢) يقولان له: هذا الذي تفعله ما هو جيد لك، والبلاد ما هي بلا سلطان، غدا يأتي عسكر مصر فيمن تلاقيه، والمصلحة أن ترجع وتصبر علينا شهرًا حتى نرسل نكاتب الملك المظفر، وربما ينصلح الأمر بينكما فتكون الشام لك ومصر له.

فسار أيدغدى شقير وجوبان، فاجتمعا بالملك الناصر وهو على الجمان نازل، فتمثلا بين يديه وبلغا ما قاله الأفرم، فضحك وقال: ما أقل عقله وعقولكم، هذا أمر ما بقي فيه اصطبار، اذهبا إليه وقولا له: إن كل مملوك يجيء إلىّ فهو أسوة مَنْ قد جاء، وإلا يروح إلى أي موضع يختار. فقال له أيدغدي: وأين نروح ونحن مماليك السلطان وقد جئناك بالكلية؟ فقال السلطان: هاتوا المصحف، فأحضروه وحَلَّف الاثنين، ثم خلع عليهما وأعطى لكل منهما ألف دينار، وقال: سِيرا إلى دمشق، وخَلِّفا الأمراء وَعِدَا لهم بكل جميل، فرجعا ووصلوا إلى الشام وأعلما الأفرم بأن السلطان واصل لا محالة، فتحير الأفرم في أمره وطلب بلاط، فأخبره بذلك، فقال: وعلى ماذا عولت؟ فقال: أهرب وأروح إلى السلطان المظفر من على الساحل، لأنه ما بقى لنا طريق إلا منه، ثم إنه أمر أن يُحَمِّلوا جماله، ولما رأى ذلك بلاط، فقال: ذهب والله الشام، فركب ودموعه تجرى وطلب مصر.

وأما الناصر فإنه أقام على الجمان ينتظر قدوم قراسنقر وقفجق واسندمر لأن ميعادهم أن يجتمعوا كلهم على دمشق، ثم إن الناصر أراد أن يقتل قطلبك والي حوران،


(١) هو: أيدغدي شقير، الأمير علاء الدين الحسامي، أحد مماليك الملك المنصور حسام الدين لاجين، قتل في ربيع الأول ٧١٥ هـ/ ١٣١٥ م، السلوك ٢/ ١٥٩.
(٢) هو: جوبان المنصوري، الأمير سيف الدين، كان من مماليك الأشرف، وأمره الناصر بدمشق، توفي بدمشق سنة ٧٢٨ هـ/ ١٣٢٧ م، الدرر الكامنة ٢/ ٧٩ رقم ١٤٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>