للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاستجار بيبرس المجنون وهرب في الليل، ثم جاء أرغون وأعلم السلطان بأن مملوك قراسنقر قد وصل، فطلبه السلطان، خضر وباس الأرض، وسأله السلطان عن قراسنقر واش حال ولده ناصر الدين؟ فقال: أطال الله عمر مولانا السلطان، فضرب السلطان يده على يده، فقال: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (١)، فحزن عليه قويًا، ثم قال: ما كان سبب موته؟ فقال: يا خوند، كان عند أبيه استادار يقال له: الطنبغا، وكان رجلًا ظالمًا يشكو الناس منه، فأوعده ناصر الدين بالقتل، ففزع منه، فخدمه خدمة بالغة وأحضر له كُلَّ ما يريد حتى اطمأن إليه، فسقاه فقتله، فعلم بذلك مماليكهـ فقتلوه، ثم قال له: ما خبر الأمير؟ فأخرج كتابًا وناوله فقرأه سرا، فإذا بالسلطان قد تغير وانخطف لونه وشرست أحداقه وبقى يفرك يديه، وكان آخر النهار، ولما جاء الليل أمرهم أن يرموا الخيام والمضارب، وطلب ناحية الكرك، فتعجبت الأمراء من ذلك غاية العجب [ولم يقدر] (٢) أحد أن يكلمه، فنزل على أرحاب، فتقدم إليه نغيه وقال: أريد أن أعلم ما سبب رجوع مولانا السلطان بعد ما وصلنا إلى دمشق وجاء إلينا [أمراؤها]؟ (٣) فأخرج له كتاب قراسنقر، فقال له: اسمع ما فيه وقرأه عليه؛ فإذا فيه ساعة وقوفك على الكتاب، وقبل وضعه من يدك، ارجع إلى الكرك وامش ليلًا ونهارًا لأنه قد جاء لي قصاد وأخبروا أن المظفر قد جهز أربعة آلاف فارس مع [برلغي] (٤) وسَيَرهم على تيه بني إسرائيل، وأوصاهم أن يسيروا بالليل ويكتموا بالنهار، وأمرهم أن [يحولوا] (٥) بينك وبين الكرك، فارجع واحفظ القلعة فإننا واصلون إليك لأن مملوكك محمد قد مات، فاشغلنا في هذا الوقت عن الحركة، وكذلك قفجق واسندمر عرض لهما ما يشغلهما، ولا تحسب أن تأخير الأفرم بعسكر دمشق إنما كان خوفًا، وإنما العالم معهم من المصريين، وهم يريدون أن يستجروك عن الكرك ليحولوا بينك وبينها، فقال نغيه: والله هذا الكتاب زور، قد


(١) جزء من الآية ١٥٩ من سورة البقرة رقم ٢.
(٢) ولم يقد: في الأصل، والتصويب يتفق مع السياق.
(٣) أمرها: في الأصل، والتصويب يتفق مع السياق.
(٤) برغلى، في الأصل، والتصويب مما سبق.
(٥) يحيلوا: في الأصل، والتصويب يتفق مع السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>