ثم إنه خرج من عنده، ولما وصل إلى باب داره وإذا قد أتى إليه نجاب من عند قطلوبك (١) المنصوري من الشام، فطلبه سلار وأخذ كتابه، وقال له: من أين جئت؟ فقال له: على غير الطريق السلطاني، فقال له: لا تظهر إلى السلطان ولا إلى أحد، ففتح كتابه وإذا فيه المملوك قطلوبك يقبل الأرض وينهى أن الملك الناصر قد توجه طالب البلاد، وهو قوي العزم، وربما الأمراء جميعهم معه، وقد سار إليه بيبرس المجنون وجماعة من أمراء دمشق، ولا سيما وقد وافقه وحلف معه قراسنقر وقفجق واسندمر وهم قوام الشام، والأفرم ما هو حجة، والناس كلهم مائلون إلى الملك الناصر، فأريد جواب هذا الكتاب سريعًا مع القاصد بما أعمله، فكتب إليه سلار جواب يقول: حال وقوفك على هذا الكتاب تروح إلى الملك الناصر أنت ومن وافقك من الأمراء، فتأخذونه وتعبرون به إلى دمشق وتُحَلِّفون عسكر الشام، ثم تتوجهون إلى مصر، فأُسَلِّم لكم البلاد، لأن المُلْك ما يدوم للمظفر، فأخذ النجاب الكتاب، وكان يقال له: شداد. فقال له: يا شداد، تأخذ معك هذا القاصد وتوصله إلى دمشق بحيث أن لا يراكم أحد في الطريق وتسلمه إلى قطلوبك، فركب من وقته وسار ليلًا ونهارًا إلى أن وصل إلى دمشق واجتمع بقطلوبك وأعطاه كتاب سلار، فقرأه وفهم مضمونه.
ففي الحال ركب وجاء إلى نائب الشام، وكان عنده في منزلة عالية لأنه كان أكبر أمراء الشام، فقال له: جِئتَ في غير العادة فلا بد من ضرورة، فقال: أنت تعلم أني في كل سنة من هذه الأيام أخرج إلى الأغوار وأصيد فيها وأتنزه بعض شيء، فقال الأفرم: كيف تروح والملك الناصر في الحركة، وكيف تأمن من جهته؟ فضحك قطلوبك وقال له: يا أمير، والله لولا أن نغيه شيطان قد لعب بعقله ما كان يفعل شيئًا من هذه الفعائل، والآن هو قد رجع وندم على ما فعل، وربما الآن يهرب من عنده الأمراء الذين تجمعوا عنده إلى بلاد التتار، فقال له الأفرم: إذا كان ولا بد من رواحك إجمع أصحابك بالأسلحة
(١) قطلوبك المنصوري الكبير، الأمير سيف الدين، ولاه الملك الناصر نيابة صفد في شوال ٧٠٩ هـ، ثم سجنه بالكرك في جمادي الأولى ٧١١ هـ، وظل في سجنه حتى قتل سنة ٧١٦ هـ/ ١٣١٦ م، الدرر الكامنة ٣/ ٣٣٧ رقم ٣٢٦٤، المنهل الصافي ٩/ ٨٦ رقم ١٨٨٥ م.