فطلب البريدي واعتذر إليه، وقال له: ما صدر مني هذا وأنا في عقل، فقال البريدي: أنا ما سمعت منك شيئًا بشيعًا، ثم جهز البريدي وجهز، معه مملوكًا من مماليكهـ يقال له سنقر، وعلى يده كتاب إلى السلطان يذكر فيه: أن الذي نُقل عني ما هو صحيح، فلا يسمع مولانا السلطان فيَّ كلامًا من الأعداء، فالمملوك ليلًا ونهارًا واقف بصدد الأشغال السلطانية، ويبعث مولانا السلطان أحدًا يكشف بلاد المملوك وما هو عليه.
وأرسل مع سنقر شيئًا كثيرًا لمملوك من مماليك السلطان يسمى طغاي، فوصل سنقر إلى مصر وتمثل بين يدي السلطان، فوقف السلطان على كتابه، ثم التفت إلى سنقر وقال: أنا أحب أستاذك من دون أمراء مصر والشام، وما سيرت له هذا الكتاب إلا لأنبهه لروحه، فباس سنقر الأرض، فأمر له بخلعة كاملة، وهم في ذلك فإذا ابن قراسنقر قد وصل ومعه البريدي الذي سيره السلطان إلى قطلوبك، نائب صفد، ومعه كتاب من قطلوبك يطلب الحضور إلى الأبواب الشريفة، وطلب السلطان البريدي الذي كان قد أرسله إلى حلب، وقال له: قل اش قال اسندمر؟ ولا تخف منه شيئًا وإلا أسلخ جلدك، وقد جاءني خبر ما قال لك قبل أن تجيء أنت، فباس البريدى الأرض وقال: لما قرأ الكتاب الذي هو من (١) مولانا السلطان شتمني وأخرق بي، وقال: من كذا إلى كذا، فأخرجوني من بين يديه، ولما حضرت في اليوم الثاني خلع علىّ وأعطاني ثلاثة آلاف درهم، وقال: إن رأسي كان مشغولًا فاعذرني مما قلت لك، فتبسم السلطان وقال: في جهله ما هو أكثر منه.
ثم إن السلطان بقى ليلًا ونهارًا في فكر في أمر هؤلاء وفيما جرى منهم، وأخفى هذه الأشياء كلها في قلبه وداراهم، فيومًا من الأيام طلب جماعة من مماليكه، وقال لهم: إن قلعة الروم قلعة منيعة، وقد تعب عليها أخي الملك الأشرف والمسلمون معه حتى أخذها من أيدي الأرمن، وأنا خائف عليها من النواب، وأريد أن أجهز إليها مائة مملوك يكون جميعهم عينًا على النائب الذي فيها، ويحفظون القلعة، فقالوا: نعم الرأي، فطلب مملوكًا من مماليكه