مصر، وكان كراي أرسله إلى السلطان يشاوره فيما يعتمد عليه، فرده سريعًا وقال له: لا تتأخر، فإن للتأخير آفات، فركبوا من القطيفة جملة، وساروا حتى وصلوا إلى حمص.
وكان كراي وصى الأمير أخور البريد الذي في حمص بأن لا يركب أحدًا إذا جاءه لا بالليل ولا بالنهار دون أن يشاوره عليه، فلما وصل أستادار كراي وقرأ كتابه الذي أرسله السلطان وفيه حثه على سرعة السير وقضاء الشغل، فقال له: كم لك من اليوم الذي خرجت من مصر؟ قال بهذا اليوم خمسة أيام، فقال: من جاء معك من مصر؟ قال: ما جئت إلا وحدي، غير أني في القطيفة لحقنى مهمندار حلب وجاء معي إلى هاهنا، فقال له: على خيله؟ فقال: لا، بل على خيل البريد، وهو رائح من عند قراسنقر، فأمر كراي لعشرة أنفس من مماليكه بأن يأتون به من اصطبل البريد.
وأما ابن الترجمان فإنه كان أراد أن يركب فما مكنوه، فإذا بمماليك كراي قد أحاطوا به، وكان يوم عرفة، فأحضروه إلى كراي، فقال له كراي: من أين جئت؟ فقال: من دمشق، فقال: ما كان لك شغل في دمشق، فقال: أرسلني اسندمر في شغل، فقال له: أمعك كتاب؟ قال: لا، فأمر مماليكه أن يفتشوه، ففتشوه، فإذا معه كتاب قراسنقر قد كتبه لاسندمر، فلما قرأه كراي أمرهم بأن يحملوه إلى القلعة، ثم طلب الأمراء الذين معه، وقال لبهادر آص والكمالي: نحن جئنا في شغل السلطان، فقعودنا لماذا؟ فقالوا: نحن ننتظر مرسومك، ثم أخبر بأنه مسك مهمندار حلب، فقالوا: ترسل إلى اسندمر وتعلم بقدومنا، فإذا خرج إلينا قبضنا عليه، فقال كراي: لا يكون هذا، فقالوا: فكيف الرأي؟ فقال: نركب في هذه الساعة ونسوق، ولا نعلق إلا مرتين، وننزل على حلب في الليل، فقالوا: افعل ما تختار.
ثم إنه كتب إلى نائب قلعة حلب (١)، يقول له: حال وقوفك على هذا الكتاب تجهز
(١) نيابة قلعة حلب: هي نياب منفردة عن نيابة السلطنة بحلب، وليس لنائب السلطنة على القلعة ولا على نائبها حكم، وعادة يكون نائبها أمير طبلخاناه، وتوليتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريف، ينظر صبح الأعشى ٤/ ٢١٧.