وبعد خروجه من بين يديه كتب إلى عُربان الحجاز كتابًا، وحلف فيه أن سلار متى خرج من بيتكم وذهب إلى موضع ولم تمسكوه أقطع جاذرتكم من الأرض.
قال الراوي: ولما جاء مملوك سلار إليه، وقرأ كتاب السلطان، أرسل إليه أيضًا يقول: أنا رايح إلى القدس، فأحلق رأسي وأقعد بين المجاورين إلى أن أموت.
وكان السلطان قد أرسل إلى الأمير سيف الدين قفجق والأمير اسندمر، بأنكم قد كنتم ضمنتم سلار عندي، وما أعرفه إلا منكم.
ثم طلب الأمير علم الدين الجاولى والطشلاقي، وكتب معهما كتاب أمان، وأرسلهما إليه، وقال له: اركب في ثلاث سروج وأحضر.
فلما وصلا إليه وناولاه الكتاب، فقرأه قال: يا أمير علم الدين مثلي يركب على هذا الوجه؟ والله أنا رايح إلى الحجاز الشريف، ثم قال أنتم لا تزالون على هذا الوجه حتى لا يبقى منا أحد، ثم إنه صاح لمماليكهـ فركب الجميع، فقال له الجاولي: لا تفعل هذا؛ فقال: قد فعلنا، وكان الذي كان وبالله المستعان، ثم قال له الجاولى والطشلاقي: يا أمير نحن معك لا نفارقك، أو يأتينا مرسوم بالرجوع عنك.
قال الراوي: فأخذ الأدلاء بين يديه، وسافروا ثلاثة أيام إلى أن أوقعهم الله في أرض ذات مروج ومياه، وفي طرف مرجها قلعة خراب، فدخل إليها، وقعد وعصي فيها، فقال له الطشلاقي: يا أمير، هذا ليس برأي، فغدًا يأتي إليك العربان من كل مكان، وهب أنك تحصنت فيها، هذا المكان ليس فيه مأكل ولا مشرب، فوالله ما عند السلطان أعز منك ولا يؤذيك أصلًا، فمت طائعا ولا تمت عاصيًا.
وما زالوا عليه حتى قام وركب، وجاء إلى الشوبك، وكان قد أرسل إليه أيضًا الأمير ركن الدين بيبرس الدوادار، صاحب التاريخ، فحضر إليه وسمع منه (١) وركب في ثلاثة من مماليكهـ، وركب الجاولى والطشلاقي والأمير بيبرس، فساروا إلى أن وصلوا إلى القاهرة في