للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هو ومماليكه، وتجهز معه أكثر أهل حلب، ثم كتب كتابًا إلى مهنا يُعْلمه أنه قصد سفر الحجاز، وسأله أن يُرْسل إليه ابنه سليمان ليكون معه، فلما وصل الكتاب إلى مهنا أرسل إليه ابنه مع جماعة من العربان، فأنزلهم قراسنقر في الميدان، ورتب لهم ما يكفيهم طول إقامتهم، ثم خرج قراسنقر من حلب في الثاني عشر من شوال من هذه السنة، وقيل من سنة اثنى عشر.

قال الراوي: وخرج في زي عظيم عجيب، حتى قال أهل حلب هذا نهاية قراسنقر بالعُجب، إن كان يرد إلى حلب بعد ذلك، وكان أخرج معه مَخْمَلًا أصفر وعليه رَصَّافِيَّه من الذهب وقد رُصعت بالفصوص، وهو على جمل بختى (١) في رقبته قلائد الذهب والفضة، وفي رجليه خلاخيل الذهب، وحوله جملة كجوات (٢) من الأطلس المختلفة الألوان، وخرج هو في سبعمائة مملوك غائصين في حديد، ورُفعت العَصَائب على رأسه، ودُقَّت الكُوسات، وزَعقت البُوقات، واستناب مملوكه جركس وأوصاه بأنه لا يقطع كتبه عنه مع النجابة، ويطالعه الأخبار ساعة بساعة، ولا يخرج من حلب، ثم سار بمن معه من منازل البرية، والعرب أدلاؤه في الطرقات، فما خرجوا به إلا من تحت صرخد، ثم ساروا حتى انتهوا إلى زيزاء (٣) فاجتمع بركب دمشق، وكان أمير الحاج للركب الشامي طيبغا قراباش، أخو بهادر آص، فلاقى قراسنقر وسار معه في خدمته حتى نزل في مخيمه، وما استقر به النزول حتى جاءت إليه من الكرك الأغنام والشعير.

وكان قراسنقر لما نزل بالركب على زيزاء أمر لمماليكه أن لا ينزلوا مع الركب ولا يخلوا أحدًا منهم ينزل بينهم، ولا يدخل بينهم غريب، فنزلوا على جانب من الركب، ولم يزل طيبغا أمير الركب الشامي معه إلى نصف الليل، فخلع عليه قراسنقر، ثم أمره بالانصراف فانصرف، وأقاموا هناك ثلاثة أيام، ومن الليلة الرابعة، حرك قراسنقر


(١) البخت: الإبل الخراسانية، محيط المحيط، مادة: بخت.
(٢) كجاوة: لفظ فارسي بمعنى: هودج النساء، ينظر.
(٣) زيزاء: من قرى البلقاء، من منازل حج الركب الشامي، معجم البلدان.

<<  <  ج: ص:  >  >>