كوساته ورحل، فرحل طيبغا خلفه، وكل منزلة ينزلها قراسنقر يجد فيها الإقامة من الكرك، وكذا لما نزل على الكرك بعث له النائب شيئًا كثيرًا، وأعلمه بأنه سير إلى معان خمسمائة أردب شعير، وكان قراسنقر دائمًا يقول: اللهم اعطنا خير هذا العطاء واكفنا شره.
ولما نزل قراسنقر على معان وصل إليه نجابان من مصر، من عند ابنه، ومعهما كتاب، فلما قرأه تغير لونه، فقال: الله أكبر، والله حسبت هذا الحساب، ثم اختلى بمماليكه الذين يعتمد عليهم، فقال له مملوكه بنجار: رأيت وجهكم قد تغير حين قرأت الكتاب، فقال: حتى أقرأه عليكم، فإذا فيه ساعة وقوفك على الكتاب احذر على روحك غاية الحذر، واعلم بأن السلطان قد جهز أرغون الدوادار ومعه: قرا لاجين الزيرباح، وجنكلي ابن البابا، ومعهم جماعة من الفرسان أكثر من ألفي نفس وأمرهم أن يروحوا إلى غزة، فإذا خرجت إلى البر يسيرون إلى الكرك ويتوجهون خلفك، وجرد أيضًا أمير حسين بن جندر والأمير قُلَيّ ومعهم عسكر، أكثر من ألفي نفس، وأمرهم بأن يسيروا ويلاقوك من طريق المدينة النبوية، فاحذر كل الحذر.
قال الراوي: فلما سمع مماليكه ذلك الكلام بهتوا وشخصوا، فقال لهم قراسنقر ذللتم يا مخانثة، الله يدري أصحيح هذا أم كذب، فإذا كان صحيحًا هل يتلاقون معنا أم لا؟ فلعن الله من يرجو منكم خيرًا يوم الشدة، ثم إنه أمر لهم أن يردوا ما معهم من الأثقال ولا يخلوا معهم غير نصف الزاد، ثم طلب سليمان بن مهنا، وقال له: يا سليمان جرى كذا وكذا، وأوقفه على الكتاب، فقال له سليمان على ماذا عولت يا أمير؟ فقال: يا سليمان أنا ما اخترتك معي إلا لعلمي بغزارة مروءتك وزيادة كرمك وشدة شجاعتك، ومثلك لا يضيع نزيله ولا يُخَيَّب سائله، وأنا اليوم صرت من ألزامك ومن جملة نزلائك، فقم معي قومة الرجال ولا تخلِّ يتحدث فيك الأرذال.
فلما سمع سليمان بذلك انتخى وهزته أريحيَّة المروءة وطبع العرب، فقال: يا أمير شمس الدين، طيب قلبك واشرح صدرك، فها نحن بين يديك، والله، ما يصيبك إلا ما