وبين يديك، وأنت تعلم إش بينك وبين مهنا من الصداقة والمودة، فقال قراسنقر: صدقت، ولكن أخاف أن الصداقة في ذلك الزمان كانت وأنا مالك البلاد، فقال سليمان: دع عنك هذا المقال، والله، لو أُعْطى مهنا ملُؤ الدنيا ذهبًا على أن يتركك لما تركك ولا يتخلى عنك.
ثم إنهم جدوا في السير ليلًا ونهارًا، حتى قطعوا البراري من بين الرحبة وتدمر على قرية يقال لها أريكة، فنزلوا عليها يومين واستراحوا، ورحلوا في اليوم الثالث طالبين حلب.
وشاعت الأخبار برجوع قراسنقر، وسمع السلطان بذلك، فأرسل البريدي في الحال إلى حلب وعلى يديه كتاب للأمير قرطاي الحاجب ولبقية الأمراء بحلب، يقول: إن كان يجئ إليكم قراسنقر فلا تمكنوه من العبور إلى حلب، فلما وقفوا على كتب السلطان احترزوا وتأهبوا، ومسك قرطاي نائب قراسنقر، الذي استنابه في حلب، وهو مملوكه جركس، كما ذكرنا، وحبسه في قلعتها.
وأقاموا ينتظرون قدوم قراسنقر، فإذا به وقد قدم ومعه مماليكه وحاشيته كلهم ملبسون، وخرج أمراء حلب بعسكرها، ولما وقعت العين على العين أرسل قرطاي الحاجب يقول لقراسنقر: مَا لَكَ عبور إلينا، لأنك خرجت على أنك تروح إلى الحجاز ثم رجعت، فلا ندري هل رجعت بمرسوم السلطان أم لا؟ ولا نمكنك من الدخول إلا بمرسوم السلطان، فقال قراسنقر: حبًا وكرامة، فأنا أنزل على حَيْلان وأرسل إلى السلطان ليرسل مرسومًا بذلك، فخلوا حريمي يدخل حلب، فخلوا الحريم، فدخلوا الدور، وأقام قراسنقر على حَيْلان، وهي قرية بالقرب من حلب من ناحية الشمال، والقناة التي تعبر حلب تجوز عليها، وخيولهم تلفت جدًّا من كثرة السوق وبُعْد المسافة.
وكان قراسنقر لما خرج من حلب خَلَّى جملة خيل على القصيل، وهو ربيع حلب، وكانت قد سمنت من أكل القصيل والراحة، فقال لأصحابه: أبصروا كيف تعملون حتى تجيبوا لنا هذه الخيل، فقالوا: كيف الوصول إليها؟ وهي في داخل حلب وبعضها