للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في بستان السلطان، وقرطاي كل ليلة يُبَيّتْ عليها حُراسًا؟ فقال رجل منهم، من أهل النجدة والقوة، يسمى عثمان بن قرا علام: أما التي في البستان فأنا أجيبها الليلة، وكانت مائة فرس، فلما جن الليل أخذ معه عشرة مماليك وسار يطلب البستان حتى وصل إليه، وإذا بالبَيَّاتة على الباب، وهم مقدار عشرين رجلًا من حلقة حلب، فَخلَّاهم عثمان ودار إلى خلف البستان، وأخرب موضعًا من الحائط، وعبروا على السواس (١) بقدومهم، فقاموا وأخرجوا الخيل كلها من ذلك الموضع، وساروا بها إلى قرا سنقر، فلما رآهم قراسنقر فرح فرحًا شديدًا، وقال كُنَّا رَجّالة [قَّلَّما] (٢) ركبنا الخيل، وأخبره السواس وأمير آخوره بما جرى في حلب، وأن جركس مملوك ملك الأمراء محبوس في القلعة.

وكان سليمان بن مهنا سار إلى أبيه يطلبه وكان على الجبُّول، ثم إن قراسنقر جمع مماليكه وقال لهم: إني غدًا أريد أن أهجم على حلب، فإن ظفرت بما أريد فيها، وإن جاء عسكر دمشق أو تجريدة من مصر دخلُ البرية مع العرب، فقال مماليكه: كيف تعمل بعسكر حلب؟ وهم أيضًا كثير، فقال قراسنقر: أكثرهم ما يقاتلون، فأجناد الحلقة لا يقاتلون، ولا يقاتل منهم إلا الأمراء، وأنتم كفؤ لهم.

ولما أصبحوا ركب قراسنقر ومعه مقدار سبعمائة ملوك من الذين كانوا معه في السفر، ومن الذين اجتمعوا حوله حين قدم، وسمع الأمير قرطاي حاجب حلب بذلك فركب، وركب أمراء حلب بعسكرها، فلما تلاقوا صاح عليهم قراسنقر وقال لهم: يا طناجرة مسكتم مملوكي وكسرتم حرمتي فإش جرى؟ أنا عاصٍ للسلطان حتى فعلتم ما فعلتم؟ ثم حمل عليهم حملة مَنْ أَيس من الحياة، فتقلعوا من بين يديه إلى قريب القلعة، ثم أرسل إليهم ناصر الدين الدوادار يقول لهم: أقسم بالله العظيم، لئن لم تطلقوا مملوكي جركس ولم تسلموا إلَيَّ بقية خيلي وجمالي التي في حلب نهبت حلب وأحرقتها ولا أبالي،


(١) السواس: جمع سائس، وهو من يقوم على خدمة الخيل، صبح الأعشى ٣/ ٤٧٤، وينظر المعجم الوسيط، مادة ساس.
(٢) فلما: في الأصل، والتصويب يتفق مع السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>