للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما سمع الأمراء بذلك قالوا لقرطاي: ما كان القبض على مملوكه بمصلحة، فقال قرطاي: قد كان ذلك، وإن لم يرجع إلى أن يجئ مرسوم السلطان قاتلناه، فقال له جمال الدين بن قَرا عَلِي: يا أمير، بمن نُقاتل؟ وهو نار مُحْرقة، والله، يقاتل معك واحد وعشرة ما تقاتل، فقالت بقية الأمراء: صدق والله جمال الدين، فطلب قرطاي الحاجب قضاة حلب وأكابرها، فأرسلهم إلى قراسنقر ليرجعوه عما هو فيه، فجاءوا إليه، وقال لهم قرا سنقر: لماذا جئتم؟ فقالوا: يا مولانا شمس الدين، نسألك لوجه الله تعالى أن ترحم هؤلاء المساكين وترجع عنهم، فإن الذي تفعل فيه خراب المملكة وفساد بين الخلق وسفك الدماء، وحاشى منك أن تكون سببًا لهذه الأشياء، ولا يَخْفى عليك أن في حلب طوائف مُجَمَّعة وفيهم أكراد، فنخاف إذا وقع القتال تنهب هؤلاء المدينة فيحصل الفساد في حريم الناس، فقال لهم قراسنقر: ما أقل عقولكم، فأُخَلِّي مملوكي في الحبس من غير ذنب وأترك أموالي وأروح بغيرهم لأجلكم! فوالله العظيم، لئن لم يطلقوا مملوكي ومالي لدخلت في دماء أهل حلب، فعادوا وأخبروا قرطاي بذلك، فقال: ما أقدر على إطلاق مملوكه إلا بمرسوم السلطان.

وهَمَّ قراسنقر بالحملة عليهم، ولكن ما منعه من ذلك إلا غبار شديد ثار عليهم من جهة جَبّول، فانكشف الغبار عن جماعة من الفرسان وهم عرب مهنا ملك العرب، ومهنا قدامهم ومعه أخوته، ولما رآه قراسنقر أسرع إليه [وتصافح] (١) معه، وهما على ظهر الخيل، فقال مهنا ما الخبر؟ فحدثه قراسنقر بما جرى عَلَى مملوكه جركس، وكيف منعه أهل حلب عن الدخول إليها، ثم إن مهنا: قال لولده سليمان: اذهب إلى قرطاي وقل له: يقول لك مهنا: أقسم بالله العظيم، لئن لم تُخْرِج كل شيء للأمير شمس الدين قراسنقر وتطلق مملوكه تركت حلب كجوف حمار، فسار سليمان إلى قرطاي وبلغه ما قال له مهنا، فقال له: قرطاي: نحن قد فرحنا لما جاء أبوك، وقلنا إنه يرده عنا، وما هو إلا يقويه علينا، ولما أبطأ سليمان على مهنا أرسل أخاه فضلًا، وقال له: قل لهذا


(١) وصافح: في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>