للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النحس قرطاي: إن كان معه مرسوم السلطان بالقبض على مملوك الأمير قراسنقر يوقفنا عليه، وإلا يطلقه سريعًا، فسار فضل إليه وبلغه ما قال له مهنا، قال: والله، ما جاءني مرسوم بذلك غير أني قبضت عليه، ولا أقدر على إطلاقه إلا بمرسوم من السلطان، فقال له فضل: أخرجه وسلمه إليّ بالإشهاد بأنك سَلَّمته إليَّ، وكذا [خيله] (١) وقماشه، وكل شيء له، فقال له قاضي حلب: هذا هو المصلحة، فأنزلوا جركس من القلعة وكل مَنْ معه، وأخرجوا كل شيء لقراسنقر في حلب من الخيل والجمال.

ثم سار قراسنقر ومهنا بمن معهما ونزلوا على حَيْلان، وتَشَاورا تلك الليلة، فقال قراسنقر لمهنا: يا ملك العرب، أنت اليوم ملك العرب، وليس في الترك ولا في العرب أكبر منك، ولا أَدْرَي بالأمور، وأنا ما بقى لي مقام مع السلطان الملك الناصر بعد أن جرى هذا الأمر، ولا بَقَيتُ آمن على روحي منه، وقد علمت ما جرى على الذي قبلي، فقال له مهنا: ماذا تريد تَفْعل؟ قال: أعبر إلا بلاد التتار، وأجلب العساكر وأقلع المُلْك منه، فقال له مهنا: بئس الرأي، تبدل الإيمان بالكفر، فما الذي جرى عليك الآن فلا تعرف رجوعك إلى حلب إلَّا مِنِّي، وفي هذه الساعة أكتب إلي السلطان فيك، ونجيب لك بكل ما تختار، فقال: يا ملك العرب، لا تفعل، لأني ما بقيت آمنًا على نفسي منه أبدًا، لأني رأيت كيف حلف لغيري، ثم أخذه، فقال مهنا: أنا أقول لك شيئًا آخر، وهو أني آخذ لك حلب وأتدرَّك أن لا يسير إليك تجريدة، وأنت تدرَّك بلاد حلب، فقال قراسنقر: رضيت بذلك، ولكن إذا جاء عَلَيَّ عسكر كثير فأَذهب حينئذ إلى البلاد.

ثم إن مهنا وقراسنقر تحالفا أن يكونا على قلب رجل واحد في السراء والضراء.

ثم في الحال طلب مهنا ولده سليمان، وكتب معه إلى السلطان، وذكر فيه أحوال قراسنقر، وأنه كان رائحًا إلى بلاد العدو المخذول، وقد منعته عن ذلك، وضمنت له عن مولانا السلطان أنه يرده إلى حلب كما كان، وسؤاله من الصدقات الشريفة أن لا يُرَدُّ ما


(١) خليه: في الأصل، وهو تصحيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>