للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سأله المملوك، لأن مولانا السلطان يعلم أني ما قصدت بهذا إلا خيرًا لمولانا السلطان ولبلاده، لأنه لو عبر إلى بلاد التتار لكان يحصل منه فساد كثير، وربما كان يحوصل (١) إلى أمور لا يقدر عليه غيره، فمولانا السلطان، خلد الله ملكه، يعلم ما جرى على المسلمين من نوبة [قفجق] (٢)، ولا شك أن قفجق ما يجيء قدر ذَرَّة في قراسنقر، ولولا أني أدركته لفات الأمر، وكنا نتعب بعد ذلك.

وهم في هذا، فإذا بقاصد قراسنقر قد وصل من دمشق وأخبر أن أرغون الدوادار قد وصل إلى دمشق ونزل على القابون، وقد تجرد معه أربعة آلاف فارس وهم طالبون، فقال قراسنقر لمهنا: كيف ترى ما أقول لك؟ فقال: طيب قلبك، فأنا ما أُخلِّي أحدًا منهم يتجاوز عن حمص حتى يجيء إلينا مرسوم السلطان بما نعتمد عليه، فركب قراسنقر من حلب ونزل على الباب (٣)، ثم رحل من الباب ونزل على بالس (٤).

وأما سليمان فإنه لما حضر بين يدي السلطان أعطاه [كتاب] (٥) والده فقرأه وعلم ما فيه، فقال: ولأي معنى رجع قراسنقر من سفر الحجاز؟ وقد سَيَّرنا له الإقامات إلى المنازل، واحتفلنا له غاية الاحتفال، فباس سليمان الأرض، وقال: فكأنه توهم من العسكر الذي أخرجه مولانا السلطان مع أرغون الدوادار فظن أنه لأجله، وداخله الخوف من السطوات الشريفة، ولولا مهنا لكان قراسنقر الآن في بلاد العدو، غير أنه قد عوقه، وضمن له عن مولانا السلطان، فقال السلطان: هذا الذي توهمه قراسنقر قطّ ما مر بخاطري، ولكن لمَّا سافر هو خِفْت على أطراف البلاد، فجرَّدت أرغون إليها فيقيم بها إلى حين يقدم قراسنقر، وما عندي في أمراء مصر والشام أحدٌ أكبر منه عندي، فيرجع إلى حلب منشرح الصدر طيب الخاطر منبسط الأمل، ثم


(١) هكذا بالأصل، والمقصود: يوصل.
(٢) ققجق: في الأصل، والتصويب مما سبق.
(٣) الباب = باب بزاعة: بليدة في طرف وادي بطنان من أعمال حلب، معجم البلدان، تقويم البلدان.
(٤) بالس: بين حلب والرقة على شط الفرات، معجم البلدان.
(٥) كتا: في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>