وأقام أرغون على الحمامات تسعة أيام، ونفذت أزواد الناس، وعلائق الخيل، فهرب أكثرهم من الجوع، فأعلم الأمراء بذلك لأرغون، فأمرهم بالرجوع إلى حمص.
وأما جوبان (١) فإنه هو ونائب الرحبة كل يوم يركبان ويتصيدان في تلك البراري حتى أن خيل جوبان كانت وصلت إلى البليخ.
البَليخ: بفتح الباء الموحدة وكسر اللام وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره خاء معجمة، وهو نهر بالعراق معروف، قاله البكري، وقال غيره: هو موضع بجزيرة الشام، ويقال هو برقة الشام.
وكان عليه كشافة لجوبان، فجاءوا وأعلموه أن قراسنقر رائح إلى عربان، فركب جوبان ومعه الأزكشي بألف فارس، وجدوا في السير يومين، وفي اليوم الثالث أصبحوا على عربان عند طلوع الشمس، فانذعرت أهل عربان، فخرجوا من البلد وأتوا إلى جوبان، وقالوا: نحن مماليك السلطان وتحت أوامره، فقال الأزكشي، قراسنقر في أين؟ قالوا له: يا مولانا، والله، ماله عندنا خبر، غير أن نهار أمس جاء إلينا من مماليكه عشرة أنفس، قد هربوا منه من البليخ، وكانت أُنَاس عندنا من جهة صاحب ماردين، فأخذوهم وراحوا بهم إلى ماردين، فنزل جوبان والأزكشي على عربان، وتزودوا منها لهم ولدوابهم، وأقاموا ذلك اليوم عندهم.
وأما أرغون فإنه لما نزل على حمص علم قراسنقر بذلك، وعاد وقطع الفرات، وسار طالبًا مهنا، ومعه سليمان، فوصلا إلى مهنا، فقال له قراسنقر: يا ملك العرب، ما لهذا السلطان نية جيدة، فإذا قدر، لا يُخَلِّى مَنَّا أحدًا، كيف نعمل؟ قال له: صدقت، ثم إنه في الحال أرسل قاصده إلى دمشق معه كتاب إلى الزردكاش والكتاب الذي أرسله السلطان إلى أرغون، وذكر في كتابه أنكم شبه غنم في حبس جزار، فَكل وقتٍ يخرج منكم جماعة فيذبحهم، والبقية ينتظرون الموت بالنوبة، فخذوا لأرواحكم وارحموا على
(١) هو: جوبان المنصوري، الأمير سيف الدين، من مماليك الأشرف، ثم أمره الناصر بدمشق، مات سنة ٧٢٨ هـ/ ١٣٢٧ م، الدرر الكامنة ٢/ ٧٩ رقم ١٤٦٤، السلوك ٢/ ٣٠٤.