الأمراء الحاضرين، ثم أخرج المملوك كتاب السلطان وناوله لمهنا، ثم أخرج كتابًا آخر، وقال: هذا لقراسنقر،، ثم قال أين قراسنقر حتى أعطيه كتابه؟ فقال له مهنا: أنت ما تعرف قراسنقر، قال: بلى، أعرفه، ولكنه ما هو عندكم هنا.
قال له مهنا: هذا هو قراسنقر، فأشار إلى رجل بجانبه، فنظر إليه "مملوك السلطان ومعه"(١) ابن الدبيس، فإذا هو بدوي عليه ثياب البدوية، وقد تلثم بلثامين، وكان هو قراسنقر قد غير حليته، فكشف عن لثامه فعرفه المملوك، فقام إليه وقبل يديه، ثم أعطاه كتاب السلطان، فأخذه، وقال لمهنا: نقرأ كتابك أولًا أو أقرأ كتابي؟ فقال مهنا: لا، إلا كتابي، ففتح مهنا كتابه، وإذا فيه يقول لمهنا:
يا والدي، كنت أحسب كل حساب، ولكن ما كنت أحسب أنك خيرت قراسنقر عَلَيَّ، فيا سبحان الله، بلغ قراسنقر إلى هذا الحد حتى يجاوبني ويقابلني بهذه المقابلة، وأنت ترضى له بهذا الفعل، هذا قط ما خطر بخاطري، فأريد من شفقة الوالد، كما أعرف منه قديمًا، أن لا يرضى بشق العصى ولا بخلال النظام، لأن هذا الأمر الذي فعله قراسنقر يطمع غيره في المملكة ويضر في الدولة، فأريد من إحسان الوالد، إن لم تقبض عليه وتسلمه إلى مملوكي أرغون، فابعده عنك إلى مكان، ثم أرسل إلى أرغون وأعلمه بمكانه فيروح هو إليه ويكبس عليه ويأخذه، ويكون لك اليد البيضاء.
فوقف مهنا على ما في الكتاب جميعه، ثم طواه وشاله، ثم فتح كتاب قراسنقر، وإذا فيه يقول:
من ولده محمد بن قلاوون، والله العظيم، لقد أتْعَبْتَ نفسك وأتعبتنا من غير شغل، أنا أعطيك حلب وبلادها على عادتك فأنت ترسل إليّ وتطلب مني البيرة، وإش البيرة؟ فوالله، ما أرضاها لبعض مماليكك، لكن الأغراض تُنفق السِّلع، وقد أجبتك إلى ما طلبت وأعطيتك البيرة تقيم فيها، وخّبزك الذي في حلب معك، ولا تُخَلِّ نائبًا في حلب إلا مَنْ تريده أنت، وإن أردت أن تكون في البيرة وتُعَين نائبًا في حلب من