للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرسًا، ثم رحلوا من سلمية إلى قدم وقديم، [وبقوا] (١) يومين وثلاثة ما رأوا نقطة من ماء، فهلكت الناس، وسليمان مع العرب يذبحون الجمال ويرمونها في الماء، فيأتي العسكر عليه، فأي من يشرب منه يرميه في الحال من فوق وأسفل.

وخرجت جماعة من آل علي يُدّوِّرون على الماء، فأخذهم سليمان بن مهنا، وما بقى أحد من العرب يستجرئ أن يخرج (٢) إلا ويأخذه، فيصادف أصحاب سليمان جماعة من الجند فيقولون: ما جاء بكم هاهنا؟ فيقولون: العطش، فيقول لهم أصحاب سليمان: دُلونا على العرب الذين معكم ونحن نسقيكم، فيدولونهم عليهم، فيحصلونهم، ثم لم يزل سليمان يعترض العسكر تارة من اليمين وتارة من الشمال، فكلما يطردونه يَرُدُّ عليهم فيكسر منهم، فلم يزل العسكر سائرين كذلك حتى وصلوا إلى عُرْض، وهم في أسوأ حال من العطش، وقد انقطع أكثرهم من العطش والسوق، [وتلف] (٣) منهم في ذلك النهار خلق كثير وخيل كثير، ولما وصلوا إلى عُرْض وقعوا على قناتها مثل القطا، وكان ماؤها قليلًا فصاروا يتضاربون عليها بالسيوف، وعم الأمر بين المصريين والشاميين، وسليمان واقف من بعيد ينظر إلى أحوالهم، ولو أراد الكبسَ عليهم لكبسهم وأخذهم، ولكن أباه مهنا ما كان يُمَكنه من ذلك، وما كان يريد أن يؤذي مسلم، ثم رحلت العسكر يطلبون الرحبة.

وأما مهنا فإنه نزل على جانب الفرات على أرض فيها ماء ومرعى وكلأ، وبقي هو مع الأمراء يتصيدون، وسمع أهل عانة والحديثة بهم، فجلبوا إليهم القمح والشعير وكل ما يحتاجون إليه.

ونزلت عسكر السلطان مع كجكن على الرحبة، وتلقاهم نائب الرحبة الأزكشي، وجاز سليمان وراءهم من الرحبة، وأرسل يقول للأزكشي أحسن إلى ضيوفك، وجاء إلى أبيه وأخبر بأن العسكر وصلت إلى الرحبة، وهم في أسوأ حال، وتلف منهم خيل كثير،


(١) وبقيوا: في الأصل.
(٢) أن يخرج: بهامش الأصل، ومنبه على موضعها بالمتن.
(٣) وفلق: في الأصل، والتصويب يتفق مع السياق، ينظر ما يلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>