للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهلي وأولادي، وهؤلاء الأكراد قد عصوا عليك، فخطر بخاطري أنك رجعت عما نويت في السفر إلى الشام.

قال الراوي: فلما سمع خربندا حصل عنده بعض الانحراف، فقال: أنا أبالي من الأكراد، حتى أرجع عن عزمي؟ وما مكثت إلى هذه الأيام إلا لأجمع أمراء المغل جميعهم وأشاورهم في ماذا نفعل.

ثم طلب جوبان ودمندار وحسن قطلو وقطلوقيا ورمضان الغزي وسويح الخراساني وهندو وبلاى وغيرهم، ممن يطول ذكرهم، من أمراء التوامين، وطلب الأفرم وغيره أيضًا، وتشاوروا، فقال جوبان: إن سمعتم مني، هذه السنة ما هي سنة نزول الشام، لأن أكثر خيلنا بمرض الطابق (١)، والبلاد جدبة، وليس فيها شيء يؤكل، ونخاف يجرى علينا مثل نوبة مرج الصُّفر (٢)، ونبقى أحدوثة بين الناس.

وتكلم كل واحد بلون، فقال خربندا: كل هذا، ما أسمعه، ثم التفت إلى قراسنقر وكان إلى جانبه، وقال له: قل يا أبي فكلامك مسموع.

فقال قراسنقر: الرأي عندي أن نرحل وننزل على الرحبة ونحاصرها، فإذا سمع الملك الناصر لا بد أن يجرد عساكرا من مصر، لأنه رجل حاد لا يصبر، وخيلهم اليوم في الربيع، ولا يصلون إلينا إلا وقد انقطع أكثرهم، وأما الضعفاء فلا يقدرون أن يتبعوهم أصلًا، ومع هذا فقد قاسوا رملًا، ولا يجيئون إلا وهم هلكى، وعسكرنا مستريح، فننال منهم ما نريد، وإن لم يجئ إلينا أحد فقد أخذنا الرحبة، لأنها لا تحتمل الحصار، وخط نائبها عندي أرسَلَه إلىَّ بأنه يسلمها إلينا إذا نزلنا عليها، ثم إذا أخذناها رحلنا إلى حلب وشَتَّيْنَا في بلادها، فهي عامرة كثيرة الخير والغلات، فيقوى عسكرنا وتسمن خيلنا، وإن لم يخرج الملك الناصر فقد علمنا عجزه فترحل إلى دمشق ونصيف فيها، ونفرق العساكر في البقاع وبلاد بعلبك ومرج حمص ومرج برعوث ونستغل بلاد الشام، فتقوى


(١) مرض الطابق: من أمراض الخيول، والمقصود به انخلاغ الحافر.
(٢) المقصود وقعة شقحب سنة ٧٠٢ هـ/ ١٣٠٢ م، ينظر ما سبق بعقد الجمان ٤/ ٢٣١ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>