للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا نمكن أحدا من الجواز إلى هذا الجانب، ثم قوّوا قلوبهم وحملوا، ولم يصبروا إلى انتشار الضوء، وصاحوا صيحة واحدة بقولهم: الله أكبر، فيالها من ساعة ما كان أعظمها، ومصيبة على العدو وما كان أظلمها، وذلك أنهم كانوا آمنين في المخاضة، ظنا منهم أنها خالية عن الناس، ووقع كثير من التتار في الماء، وهلك منهم خلق كثير، وكان معهم جماعة من مماليك قراسنقر، فيهم مملوكه الذي يُقال له الخطاي، وهو كبيرهم، وأضافهم قراسنقر حين وجه هذه الطائفة من التتار مع [أمير ابجيل] (١)، كما ذكرناه الآن.

[وكان ابجيل] (٢) هذا متأخرًا عن الذين عدّوا الفرات إلى هذا الجانب، فلما جرى على هؤلاء ما جرى من الهزيمة وغرق أكثرهم في الماء، وأصبح الصباح، تقدم قطلوبك وقال لأصحابه: كونوا مكانكم حتى أعبر أنا في الماء من المخاضة فإن رأيتموني وقد خرجت من ذلك الجانب، فاعبروا خلفي، فقالوا له: افعل ما تريد ونحن في طوعك، فركب حصانًا أخضر عاليًا، فدخل المخاضة، فلما رآه التتار من ذلك الجانب تعجبوا منه، وقالوا: هذا جِنّىّ فعل شيئًا ما فعله أحد، وهو على ذلك فإذا بابجيل مقدم التتار، وقد وصل إلى المنكسرين الذين تقدموا إلى المخاضة، فرأى قطلوبك في الماء يريد العبور إلى ذلك الجانب، فسأل عن الخطاي مملوك قراسنقر، أتعرف هذا، فقال: نعم، هذا يقال له: قطلوبك الوشاقي، فقال: حدثه، فنادى الخطاي له، وقال: يا أمير قطلوبك، تأنَّ على نفسك ولا تعجل فتقع في المهلكة، فيا قليل العقل، أنت تعرف تقاتل من؟ وأيضًا أفلا تعلم ما جرى على المسلمين؟ وعلى الأمراء من السلطان؟ ولولا خروجنا نحن من البلاد لما بقى أحد منكم إلى الآن، فعودوا وارجعوا عما أنتم فيه، فإن هذا الخان هو صاحب الإقليم ومالك البلدان، وقد حلف لقراسنقر والأفرم ولغيرهما من الأمراء أنه ما يرجع حتى يفتح البلاد الشامية والمصرية ويسلمها إليكم، ويعمكم بالإنعام والإحسان، فإن قبلتم كان خيرًا لكم، وإن خالفتم راحت أرواحكم، وسُبيت حريمكم وأولادكم، ونُهبت أموالكم.


(١) أمير الخيل: في الأصل والتصويب مما سبق.
(٢) وكان الجيل: في الأصل والتصويب مما سبق.

<<  <  ج: ص:  >  >>