وباتوا تلك الليلة، فلما أصبحوا جاءوا إلى الأزكشي، وقالوا: إن الرسول قد جاء من خربندا، فأمر بمد الاسقالة على الباب، فدخل الرسول، وقعد مع الأزكشي في داخل باب القلعة، ثم قال الرسول: إن الملك خربندا لما رأى ما حل بكم، وسمع بكاء النساء والصبيان، رق لكم، وحمل همكم، فإن أردتم أن تَسْلَموا من هذه المصيبة سلموا هذه القلعة، وهو يحلف لكم بالله أنه لا يؤذي أحدًا منكم، وإلا فإنه نوى أن يزحف عليكم زحفة واحدة فلا يبقى أحدًا منكم.
وكان قاضى البلد ومشايخه حاضرين هناك، فقالوا: المصلحة أن تسلموا هذه القلعة إن حلفوا لكم أنهم لا يؤذون ولا يشوشون على أولادكم وحريمكم، فقال الأزكشي للقاضي ومشايخ البلد: انزلوا أنتم فاذهبوا فيحلف لكم، ونحن نسلم القلعة إليه، ويمكننا من الرواح إلى الشام.
فنهض القاضي والمشايخ فنزلوا وذهبوا إلى خربندا، فلما حضروا بين يديه قربهم وأدناهم وأمرهم بالجلوس، فقالوا: أيها الملك، إن أمنتنا جلسنا، فقال: قد أمنتكم، فقام القاضي ودعا له، وطلب الأمان لأهل القلعة، فتبسم خربندا، وقال: قلنا لكم من أول يوم احقنوا الدماء ما سمعتم، فقال القاضي: الماضي ما يذكر، فالمسئول من صدقات الملك أن يأمر بكتابة كتاب الأمان إلى أهل القلعة والبلد جميعهم على أنهم ينزلون بالحريم والأولاد، وأن يأمر الملك بإيصال من يريد الرواح إلى الشام إلى مأمنه، فأمر بذلك، فكتبوا، فأخذه القاضي وعاد إلى القلعة، ووقفوا عليه، ورضوا بالتسليم.
وعاد القاضي إلى خربندا، وأخبره بذلك، خلع عليه وعلى مَنْ معه، ثم أمر لأمير يقال له: آسن قطلو، وقال له: خذ معك ألفا من المغل وتسلم القلعة، وأنزل أهلها.
فسار القاضي قدامهم حتى وصلوا إلى القلعة ففتح الباب ودخل القاضي، ورأوا وراءه رجال المغل، فقامت الأكراد وقالوا: إش بقى بعد أن جاءت المغل ودخلوا القلعة؟ سلموا إليهم نساءكم وأولادكم وأنتم بالحياة تنظرون إليهم، وهؤلاء ما لهم يمين، فلمن