للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان ذلدي هذا معروفًا بالمكر والدهاء والحيل في أمور الحرب، فأحضر أميرًا من أصحابه يقال له: تكال بغا، يعلم أنه كفء لما نُدب إليه، وقال له: خذ معك مائة ألف واعبر من دربند كيلان من رأس الماء، ويكون اجتماعنا في يوم واحد، فقال له: سمعًا وطاعة، وقال لهم: لا ترحلوا إلا في الليل بحيث لا يعلم أحد إلى أين أنتم رائحون، فأي مَنْ وجدتموه في الطريق فاقبضوا عليه، فرحل تكال بغا في تلك الليلة مع أصحابه وساروا.

وأما خربندا فإنه جمع الأمراء للمشاورة، وقال لهم: اعلموا أننا اتفقنا مع العدو بأنه يعبر إلينا، وقد تعين الحرب، فأشيروا، فالرأي مشترك، فقال جوان: الرأي عندي إنا ليلة الميعاد نؤخر منا عشرين ألفا يكمنون بين هذه الروابي والشعاب ليلة المصاف، فإذا [اشتدت] (١) الحرب وعظم الخطب فَنُهزم بين أيديهم إلى وسط الكمين، فنخرج عليهم فنكسرهم، فقال له خربندا: لقد أصبت في هذا الرأي، ولكن نخاف أن يولى العسكر فلا نقدر على جمعه، فقال جوبان: هاهنا رأي آخر، وهو أنا نخلى لنا كشافة عليهم، فإذا شرعوا في العبور (٢)، تترصدهم كشافتنا، فإذا عبر نصف عسكرهم يعلموننا بهم فنعاجلهم فنأخذهم إن شاء الله تعالى، فقال خربندا: نخاف من عاقبة البغي، فقال قراسنقر، مَنْ شفق على عدوه بُلى به، فآخر الأمر اتفقوا على هذا الرأي.

ولما كان ثاني اليوم رحل خربندا وتأخر إلى الوراء، وركب ذلدي وقال لقومه: إن خربندا يريد أن يخادعنا فيترصد عبورنا في الماء حتى عَدَّى نصفنا يعاجلنا، فالرأي عندي أن لا تعبروا كردوسًا (٣) كردوسًا ملبسين متأهبين للحرب، ولا يعبر ناس بعد ناس لأن الماء قد جمد فيحمل الخيل والجمال، وها أنا أول من يعبر، وكان هو أول من عبر ومعه عشرة آلاف ملبس، وكشافة خربندا وقوف، وكان قد صح عندهم أن مع ذلدي مائتا ألف فارس، فقالوا: إذا رأينا وقد عبر مقدار مائة ألف فارس أعلمنا خربندا بذلك، وشرعت عسكر ذلدي تعبر أولًا فأول، وما انتصف النهار إلا وقد عبر أكثر من مائة


(١) اشتد: في الأصل.
(٢) في العبور على: في الأصل.
(٣) كردوس - كراديس: فرقة من الجيش حوالي عشرة آلاف فارس، ينظر تاج العروس، مادة كردس.

<<  <  ج: ص:  >  >>