للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢٥] خلائق لا يحصى عددهم، ولم يبق أحد فى المدينة إلا وقد أخذ جانبا للتفرج منه، فلما وصل السلطان إلى المدرسة المنصورية ترجل وطلع إلى قبر الشهيد، فوجد هناك القضاة وسائر أرباب الوظائف من الفقهاء والعلماء والقراء والمؤذنين، وتلقوه بالدعاء، وشرعوا فى القراءة بين يديه، ثم أخذوا فى الدعاء له ولوالده الشهيد، ولما فرغوا من القراءة والدعاء قام ابن العنبرى (١) الواعظ وصعد المنبر، وكان قد رتب قصيدة يذكر فيها أمر الغزاة والجهاد فى سبيل الله، فلم يرزق فيها سعادة، ولا فتح عليه منها فتوح، وأول ما تكلم بعد قراءته القراءة قال:

زر والديك وقف على قبريهما … فكأننى بك قد نقلت إليهما

وكان السلطان ذكيا، ففهم معنى شعره، فما وصل إلى آخر البيت حتى نهض السلطان قائما، وسائر الناس معه، والتفت إلى بيدرا كالمغضب بسببه، وقال: ما لقى هذا غير هذا القول!! فقال له بيدرا: يا خوند هذا الرجل ما فى الدنيا مثله فى الوعظ، ولكن ما رزقه الله سعادة فى هذا الوقت، ثم ركب السلطان من المدرسة إلى أن خرج من باب زويلة، وسائر الأمراء فى خدمته، ولم يكن أحد راكبا غير الأمير بدر الدين أمير سلاح، وعند خروجه من الباب مسك عنان الفرس، ورسم للأمراء بالركوب، ومشت الخاصكية إلى القلعة.

وعند استقراره خلع على الأمير بدر الدين بيدرا نائب السلطنة، وعلى الصاحب شمس الدين ابن سلعوس وسيّر له ألف دينار.


(١) هو محمد بن محمد بن عبد الله بن مهلهل بن غياث بن نصر، نجم الدين، المعروف بابن العنبرى الواعظ - الواعظ والإعتبار ج‍ ٢ ص ٣٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>