الروم ونازلها فى العشر الأول من جمادى الآخرة (١)، ونصب عليها المناجيق، وهى ثلاثة وعشرون منجنيقا، أحديها عند الدهليز الشريف، والأخرى فوق جبل يسامت القلعة المذكورة وعنده الملك المظفر صاحب حماة، وكان كلما رمى الحجر فأصاب ضربت كوساته وفعرت بوقاته، والأخرى عند علم الدين سنجر الشجاعى نائب دمشق، وكان ترتيب الرمى بهذه المناجيق أن كل أمير من الأمراء يرمى يوما وليلة، والأمير علم الدين الشجاعى أقام برجا من خشب تعلوه قبة ولبّده كله وحصّنه من يمينه وشماله، وعمل فى داخلهم الرجالة فصاروا يقاتلون من داخله، وأقام العسكر عليها عشرين يوما، ولم ينل السلطان منها طائلا، وكان لا يصل إليها غير منجنيق واحد، فكان حجره يصل إلى السور، فإذا دق فيه يفتت حجره، وأجمع الأمراء على أن يزحفوا ويوصلوا النقّابين إلى السور، فركب السلطان بنفسه والأمراء، وتكفل نائب الشام ونائب حلب بالنقّابين، وكانوا نحوا من ثمانين حجّارا بالمعاول، ودخلوا فى الزحافات، وزحف العسكر جميعه، وكان يوما عظيما، وكان فى القلعة رجال لا يعرفون شى غير القتال، فقاتلوا فى ذلك اليوم قتالا عظيما، ونال المسلمين منهم شئ عظيم.
قال صاحب نزهة الناظر: بلغنى عن الشجاعى أنه قتل له فى ذلك اليوم ثلاث رءوس من الخيل، وجرحت جماعة كثيرة من مماليكه، وكذلك نائب حلب، وتفرقت الأمراء والأكابر حول القلعة، ورموا بسهام كثيرة حتى أشغلوهم عن جهة النقابين، وما برحوا إلى أن أوصلوهم إلى الأسوار وملكوها، وشرعت النقابون بالمعاول فيها فلم تؤثر المعاول فى الحجر شيئا، ووجد المسلمون من ذلك مشقة كثيرة، ولما ضايق المسلمون عليهم اجتهدوا اجتهادا عظيما.