وكانوا قد كتبوا إلى صاحب سيس أن يسير إليهم نجدة، فوصل فى ذلك الوقت جماعة من عرب آل مهنّى، وأخبروا السلطان أنهم رأوا نحوا من [٤٢] تومان من المغول وقد عدّوا الفرات، وهم قاصدون العسكر، فسمع أهل القلعة بذلك، فضربوا ناقوسهم، وأظهروا الفرح.
فعند ذلك رجع السلطان مع الأمراء إلى الدهليز، وضربوا مشورة فى أمرهم، فأسر السلطان لبيدرا نائبه أن يقول: نرحل ونرجع إليها فى العام القابل. فقال بيدرا ذلك للأمراء، وقال: قد ضجر السلطان من أمر هذه القلعة، ومن كثرة الأمطار والثلوج والبرد العظيم، وأيضا بلغه أمر المغول، فاختار أن يرجع، فسكت الأمراء، ثم قال السلطان: ما تتكلمون وما تقولون فى كلام الأمير بيدرا؟ فقال له الأمير ركن الدين الجالق (١): يا خوند ما جرت عادة ولا سمعنا أن سلطانا ينزل بعسكره على بلد ويحاصره أياما ويرجع عنه إلا بسبب يقتضى ذلك. وقال الأمير لاجين: والله يا خوند لو هلكنا بأجمعنا ما نرجع إلا بفتح هذه القلعة سيما وقد قتل من المسلمين جماعة، ولم يعجبه كلامه، ثم التفت بيدرا إلى الأمير شمس الدين سنقر الأشقر وقال له: ما رأيك نقيم أو نرحل؟ فالتفت إليه التفات المغضب وقال: يا أمير، الحرب لعب الصغار، من قتل منا ومن خرج حتى نرحل من القلعة، ثم قال له السلطان، وقد حصل فى نفسه من كلامه حنق عظيم: كيف يكون العمل مع هذا العدو الذى قد تعدى الفرات؟ فقال: إن رسم السلطان لى أركب وصحبتى بعض الأمراء وألاقى هذا العدوّ، فنرجو من الله النصر عليه أو الموت فى سبيل الله، فالسلطان يكون مقيما بالعسكر والحصار يكون مستمرا ولا
(١) هو بيبرس بن عبد الله الجالق الصالحى، المتوفى سنة ٧٠٧ هـ/ ١٣٠٧ م - المنهل الصافى ج ٣ ص ٤٧٤ رقم ٧١٩.