يشمت بنا العدو، فإذا سمعت الناس أن سلطان مصر وعساكرها نزلوا على قلعة، ثم رحلوا عنها ماذا يقولون؟ والله نموت جميعا خير من هذه السمعة.
فعند ذلك عينوا سنقر الأشقر والأمير بدر الدين بكتاش الفخرى أمير سلاح وأضافوا لهما أمراء ومقدار ألفى فارس وصحبتهم آل مهنى وآل فضل وآل مرى وبنو كلاب وأمراء التركمان، فتجهزوا وساروا وجدوا فى سيرهم إلى أن بلغوا الفرات، فلم يجدوا أحدا، ولا ظهر لهم راكب ولا راجل، وكان حقيقة ما ذكره العرب أن صاحب سيس لما كتب إليه أهل القلعة وطلبوا منه النجدة علم أنه عاجز عن ذلك ولكن احتال فى ذلك حيلة، فطلب ثلاثة من أمراء الأرمن وجرد معهم خمسة آلاف فارس من الأرمن، وألبس جميعهم لبس المغول، وجعل على رؤوسهم السراقوجات التى يركب بها المغول، وجعل لهم رايات وطبول على زى عسكر المغول، وأمرهم أن ينزلوا على بر الفرات ويعدوه إذا لم يصادفوا عسكرا هناك، ويكونوا على حذر عظيم ويتراءوا لأهل البلاد والعرب حتى يظنون أنهم مغول، ويصل أخبارهم إلى العسكر فيقع فى نفوسهم أن عسكر المغول قد حضروا لنصرتهم فيرجعون عن حصارهم، فساروا على هذه الهيئة وفعلوا ما قال لهم صاحبهم. ورآهم بعض العرب فأخبروا عسكر السلطان بذلك، ثم لما أرسل السلطان من ذكرنا من عسكره وبلغ خبرهم إلى الأرمن أخذوا حذرهم منهم، فرجعوا خائبين خاسرين [٤٣] وجاء الخبر بذلك إلى السلطان، ثم فى عقيبه جاء العسكر المجردون، فقوى بذلك عزم المسلمين على القتال والحصار، وتفرقوا على القلعة كتائب ومواكب، واستعملوا المعاول فى أسوارها، ولم يزالوا على ذلك إلى أن جاء نصر الله والفتح.