بحرقته إلى الشهادة. لقد عقر الفرس الشقراء ثم استقبل الروم حاملًا راية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده اليمنى .. متلقيًا الطعنات والضربات بالرماح والسيوف حتى قطعت يده اليمنى وقطعت اليسرى كذلك .. فواصل احتفاءه بالطعنات حتى خر شهيدًا فحلق بعدها نحو أحلامه والجنة .. ثم أخذ الراية الأمير الثالث عبد الله بن رواحة الذي شاهد تلك المناظر المروعة لأصحابه وتلك الجموع التي لا يمكن مجابهتها إلا بالموت .. أحس عبد الله بن رواحة بشيء من التردد .. لكن الشعر يقوم بتذكيره.
[ابن رواحة والشعر والجنة]
كان تردده لسان حال المعركة الشرسة والأطراف المتطايرة والدماء التي تلون أرض موتة .. لكن ابن رواحة يقذف مرة أخرى بالخوف وبشعر كالحتف ..
كان الشعر على أرض مؤتة صهوة من الأهوال .. كان الشعر وقودًا يؤجج أرض مؤتة التي تحترق بأنفاس المحاربين وتكبيرهم وصياحهم وأنينهم.
يواصل ذلك الصحابي وصفه لما رآه من أمرائه الأشاوس فيقول:
"لما قتل جعفر أخذ عبد الله بن رواحة الراية ثم تقدم بها وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد ثم قال:
أقسمت يا نفس لتنزلنه ... لتنزلن أو لتكرهنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنه ... مالي أراك تكرهين الجنة
قد طال ما قد كنت مطمئنة ... هل أنت إلا نطفة في شنه