للمفجوعين رشدهم .. وهو الذي ساقته طول صحبته لنبيه عليه السلام إلى النظر للأمور بمنظار أبعد وأكثر اتساعًا .. فاستحق أن يواصل صلاته بالأمة الظهر والعصر وبقية الصلوات بعد أن استقر الوضع السياسي ليعود للنفوس كمدها وحزنها على نبيها - صلى الله عليه وسلم - في يوم أسود رسمه أنس بن مالك لنا فقال:"لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أضاء منها كل شيء .. فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء"(١)
ومضى ذلك اليوم لترحل شمس الإثنين بالفتنة جثة هامدة .. مضى الإثنين الحزين
[وجاء يوم الثلاثاء]
وقبل أن يصلي أبو بكر في الناس صلاة الصبح قام عمر فتوجه إلى المنبر مخاطبًا الصحابة ومعتذرًا عفا بدر منه بالأمس من أقوال وداعيًا بقية الصحابة لمبايعة أبي بكر رضي الله عنه: يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: "إنه سمع خطبة عمر الآخرة حين جلس على المنبر وذلك الغد من يوم توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - .. فتشهد وأبو بكر صامت لا يتكلم .. قال: كنت أرجو أن يعيش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يدبرنا يريد بذلك أن يكون آخرهم .. فإن يك محمَّد - صلى الله عليه وسلم - قد مات فإن الله تعالى قد جعل بين أظهركم نورًا تهتدون به بما هدى الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - .. وإن أبا بكر صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثاني اثنين فإنه أولى المسلمين بأموركم فقوموا فبايعوه .. وكانت طائفة
(١) سنده صحيح رواه الترمذيُّ ٥ - ٥٨٨ وغيره من طريق جعفر بن سليمان الضبعي عن ثابت عن أنس بن مالك وجعفر صدوق زاهد من رجال مسلم: التقريب ١ - ١٣١ وشيخه تابعي ثقة سمع من أنس.